في وقت اختيارهم.
فحكى أكثر المفسّرين ؛ أن ذلك بعد عبادة العجل ، فاختارهم ؛ ليستغفروا لبني إسرائيل ، وحكى النقّاش وغيره ؛ أنه اختارهم حين خرج من البحر ، وطلب بالميعاد ، والأول أصح.
وقصة السبعين أنّ موسى عليهالسلام ، لما رجع من تكليم الله تعالى ، ووجد العجل قد عبد ، قالت له طائفة ممّن لم يعبد العجل : نحن لم نكفر ، ونحن أصحابك ، ولكن أسمعنا كلام ربّك ، فأوحى الله إليه ؛ أن اختر منهم سبعين ، فلم يجد إلا ستّين ، فأوحى إليه أن اختر من الشباب عشرة ، ففعل ، فأصبحوا شيوخا ، وكان قد اختار ستّة من كلّ سبط ، فزادوا اثنين على السبعين ، فتشاحّوا فيمن يتأخّر ، فأوحي إليه أنّ من تأخّر له أجر من ٢١ أمضى ، فتأخّر يوشع بن نون ، وكالوث بن يوفنّا ، وذهب موسى عليهالسلام / بالسبعين ، بعد أن أمرهم أن يتجنّبوا النساء ثلاثا ، ويغتسلوا في اليوم الثالث ، واستخلف هارون على قومه ، ومضى حتى أتى الجبل ، فألقي عليهم الغمام ، قال النّقّاش : غشيتهم سحابة ، وحيل بينهم وبين موسى بالنور ، فوقعوا سجودا ، قال السّدّيّ وغيره : وسمعوا كلام الله يأمر وينهى ، فلم يطيقوا سماعه ، واختلطت أذهانهم ، ورغبوا أن يكون موسى يسمع ويعبّر لهم ، ففعل ، فلما فرغوا ، وخرجوا ، بدّلت منهم طائفة ما سمعت من كلام الله ، فذلك قوله تعالى : (وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ) [البقرة : ٧٥] واضطرب إيمانهم ، وامتحنهم الله تعالى بذلك ، فقالوا : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً) ، ولم يطلبوا من الرؤية محالا ؛ أما إنه عند أهل السّنّة (١) ممتنع في الدنيا من طريق السمع ،
__________________
(١) اتفقت كلمة الأشاعرة على جواز رؤيته (تعالى) عقلا في الدنيا والآخرة ، بمعنى أنه تعالى يجوز أن ينكشف لعباده المؤمنين من غير ارتسام صورة ، ولا اتصال شعاع ، ولا حصول في جهة ومقابلة. واستدلوا على ذلك بأدلة نقلية وأدلة عقلية ، فلنذكر الأدلة النقلية ؛ لأنها الأصل في هذا الباب ، وهي أكثر من أن تحصى ، والمعتمد منها عند أهل السنة قوله تعالى حكاية عن سيدنا موسى ـ عليهالسلام ـ في ميقات المناجاة : (قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) [الأعراف : ١٤٣].
تنطق الآية الكريمة بمسألة تتعلق بالذات الأقدس ، وهي مسألة الرؤية ، ولم يحدد النطق الكريم الحكم فيها ، بل ترك لذوي العقول البحث.
فكان القول بجوازها ووقوعها ، وكان القول باستحالتها وعدم وقوعها ، ولم يكن لصاحب كل قول من الآية الكريمة ما يعتمد عليه صريحا ، بل كل مستند له هو الركون إلى اللغة تارة ، واللجوء إلى الدليل العقلي أخرى. غير أن أهل السنة نظروا إلى ظروف الآية وما سيقت لأجله ، فكانت عضدا قويا ركنوا إليه. ـ