والأخ أخاه ، فلما استحر فيهم القتل ، وبلغ سبعين ألفا ، عفا الله عنهم ، وجعل من مات شهيدا ، وتاب على البقية ؛ فذلك قوله سبحانه : (ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ) وقال بعض المفسّرين : وقف الذين عبدوا العجل صفّا ، ودخل الذين لم يعبدوه عليهم بالسلاح ، فقتلوهم ، وقالت طائفة : جلس الذين عبدوا بالأفنية ، وخرج يوشع بن نون ينادي : ملعون من حلّ حبوته (١) ، وجعل الذين لم يعبدوه يقتلونهم ، وموسى صلىاللهعليهوسلم في خلال ذلك يدعو لقومه ، ويرغب في العفو عنهم ، وإنما عوقب الذين لم يعبدوا بقتل أنفسهم على أحد الأقوال ؛ لأنهم لم يغيّروا المنكر حين عبد العجل.
(وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ) ابتداء وخبر في موضع الحال ، والعفو تغطية الأثر ، وإذهاب الحال الأول من الذنب أو غيره.
* ت* : ومنه الحديث : «فجعلت أمّ إسماعيل تعفي أثرها».
قال* ع (٢) * : ولا يستعمل العفو بمعنى الصفح إلا في الذّنب ، والكتاب هنا هو التوراة بإجماع ، واختلف في الفرقان هنا ، فقال الزجّاج وغيره : هو التوراة أيضا ؛ كرر المعنى ؛ لاختلاف اللفظ ، وقال آخرون : الكتاب التوراة ، والفرقان سائر الآيات التي أوتي موسى عليهالسلام ؛ لأنها فرقت بين الحق والباطل ، واختلف هل بقي العجل من ذهب؟ فقال ذلك الجمهور ، وقال الحسن بن أبي الحسن : صار لحما ودما ، والأول أصحّ.
* ت* : وقوله تعالى : (فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ) عن أبي العالية : إلى خالقكم (٣) ؛ من برأ الله الخلق ، أي : خلقهم ، فالبريئة : فعيلة بمعنى مفعولة. انتهى من «مختصر أبي عبد الله اللّخميّ النحوي للطبريّ».
(وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (٥٥) ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٥٦) وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)(٥٧)
وقوله تعالى : (وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى) : يريد السبعين الذين اختارهم موسى ، واختلف
__________________
(١) الحبوة والحبوة : الثوب الذي يحتبى به ، والاحتباء هو أن يضم الإنسان رجليه إلى بطنه بثوب يجمعهما به مع ظهره ، ويشده عليها. ينظر : «لسان العرب» (٧٦٥)
(٢) «المحرر الوجيز» (١ / ١٤٤)
(٣) السيوطي في «الدر» (١ / ١٣٦) ، وعزاه لابن أبي حاتم.