و (يَكادُ) فعل ينفي المعنى مع إيجابه ، ويوجبه مع النفي (١) ، فهنا لم يخطف البرق الأبصار ، والخطف : الانتزاع بسرعة ، ومعنى (يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ) ، تكاد حجج القرآن وبراهينه وآياته الساطعة تبهرهم ، ومن جعل البرق في المثل الزجر والوعيد ، قال : يكاد ذلك يصيبهم.
و «كلّما» : ظرف ، والعامل فيه «مشوا» ، و «قاموا» معناه : ثبتوا ، ومعنى الآية فيما روي عن ابن عبّاس وغيره : كلّما سمع المنافقون القرآن ، وظهرت لهم الحجج ، أنسوا ومشوا معه ، فإذا نزل من القرآن ما يعمهون فيه ، ويضلون به ، أو يكلّفونه ، قاموا ، أي : ثبتوا على نفاقهم.
وروي عن ابن مسعود ؛ أنّ معنى الآية : كلّما صلحت أحوالهم في زروعهم ومواشيهم ، وتوالت عليهم النّعم ، قالوا : دين محمّد دين مبارك ، وإذا نزلت بهم مصيبة أو أصابتهم شدّة ، سخطوه وثبتوا في نفاقهم (٢).
ووحّد السمع ؛ لأنه مصدر يقع للواحد والجمع.
١٢ أوقوله سبحانه : (عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) لفظه العموم ، ومعناه عند / المتكلّمين : فيما يجوز وصفه تعالى بالقدرة عليه ، وقدير بمعنى قادر ، وفيه مبالغة ، وخصّ هنا سبحانه صفته الّتي هي القدرة ـ بالذّكر ؛ لأنه قد تقدّم ذكر فعل مضمّنه الوعيد والإخافة ، فكان ذكر القدرة مناسبا لذلك.
__________________
(١) وزعم جماعة منهم ابن جني وأبو البقاء وابن عطية أنّ نفيها إثبات وإثباتها نفي ، حتى ألغز بعضهم فيها فقال : [الطويل]
أنحويّ هذا العصر ما هي لفظة |
|
جرت في لساني جرهم وثمود |
إذا نفيت ـ والله أعلم ـ أثبتت |
|
وإن أثبتت قامت مقام جحود |
وحكوا عن ذي الرمة أنه لمّا أنشد قوله : [الطويل]
إذا غيّر النأي المحبّين لم يكد |
|
رسيس الهوى من حبّ ميّة يبرح |
عيب عليه لأنه قال : لم يكد يبرح فيكون قد برح ، فغيّره إلى قوله : «لم يزل» أو ما هو بمعناه ، والذي غرّ هؤلاء قوله تعالى : (فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ) [البقرة : ٧١] قالوا : فهي هنا منفيّة وخبرها مثبت في المعنى ، لأن الذبح وقع لقوله : (فَذَبَحُوها). والجواب عن هذه الآية من وجهين :
أحدهما : أنه يحمل على اختلاف وقتين ، أي : ذبحوها في وقت ، وما كادوا يفعلون في وقت آخر.
والثاني : أنه عبّر بنفي مقاربة الفعل عن شدّة تعنّتهم وعسرهم في الفعل. وأمّا ما حكوه عن ذي الرّمّة فقد غلّط الجمهور ذا الرّمة في رجوعه عن قوله وقالوا : هو أبلغ وأحسن ممّا غيّره إليه.
ينظر : «الدر المصون» (١ / ١٤٠)
(٢) ينظر : ابن عطية (١ / ١٠٤)