و (لا رَيْبَ فِيهِ) : معناه : لا شكّ فيه ، و (هُدىً) : معناه إرشاد وبيان ، وقوله : (لِلْمُتَّقِينَ) : اللفظ مأخوذ من «وقى» ، والمعنى : الذين يتّقون الله تعالى بامتثال أوامره ، واجتناب معاصيه ، كان ذلك وقاية بينهم وبين عذابه.
قوله تعالى : (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ). (يُؤْمِنُونَ) : معناه يصدّقون ، وقوله : (بِالْغَيْبِ) قالت طائفة : معناه : يصدّقون ، إذا غابوا وخلوا ، لا كالمنافقين الّذين يؤمنون إذا حضروا ، ويكفرون إذا غابوا ، وقال آخرون : معناه : يصدّقون بما غاب عنهم مما أخبرت به الشرائع ، وقوله : (يُقِيمُونَ الصَّلاةَ) معناه : يظهرونها ويثبتونها ؛ كما يقال : أقيمت السّوق.
* ت* : وقال أبو عبد الله النّحويّ في اختصاره لتفسير الطّبريّ : إقامة الصلاة إتمام الركوع ، والسجود ، والتلاوة ، والخشوع ، والإقبال عليها. انتهى.
قال* ص (١) * : يقيمون الصلاة من التقويم ؛ ومنه : أقمت العود ، أو الإدامة ؛ ومنه : قامت السّوق ، أو التشمير والنهوض ؛ ومنه : قام بالأمر. انتهى.
وقوله تعالى / : (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) : الرزق (٢) عند أهل السنة ما صحّ الانتفاع ١٠ أ
__________________
(١) «المجيد» ص ٨٤.
(٢) اختلف العلماء في تعريف الرزق في عرف الشرع ، فقال أبو الحسين البصري من المعتزلة : الرزق هو تمكين الحيوان من الانتفاع بالشيء والحظر على غيره أن يمنعه من الانتفاع به ، فإذا قلنا : قد رزقنا الله تعالى الأموال. فمعنى ذلك أنه مكننا من الانتفاع بها ، وإذا سألناه تعالى أن يرزقنا مالا فإنا نقصد بذلك أن يجعلنا بالمال أخص.
واعلم أن المعتزلة لما فسروا الرزق بذلك لا جرم قالوا : الحرام لا يكون رزقا.
وقال الأشاعرة : الحرام قد يكون رزقا ، وحجتهم من وجهين :
الأول : أن الرزق في أصل اللغة هو الحظ والنصيب على ما بيناه ، فمن انتفع بالحرام ، فذلك الحرام صار حظا ونصيبا ، فوجب أن يكون رزقا له.
الثاني : أنه تعالى قال : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُها) [هود : ٦] وقد يعيش الرجل طول عمره لا يأكل إلا من السرقة ، فوجب أن يقال : إنه طول عمره لم يأكل من رزقه شيئا.
وقد احتج المعتزلة بالكتاب ، والسنة ، والمعنى :
أما الكتاب فعدة وجوه :
أحدها : قوله تعالى : (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) [البقرة : ٣] مدحهم الله تعالى على الإنفاق مما رزقهم ، فلو كان الحرام رزقا لوجب أن يستحقوا المدح إذا أنفقوا من الحرام ، وهذا باطل بالاتفاق.
ثانيها : قالوا : لو كان الحرام رزقا لجاز أن ينفق الغاصب منه ؛ لقوله سبحانه : (وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ) [المنافقون : ١٠] ، وقد أجمع المسلمون على أنه لا يجوز للغاصب أن ينفق مما أخذه ، بل يجب عليه ـ