هذا كله ؛ قال الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) [النساء : ١٣٦] فندبهم إلى الإيمان بعد ما آمنوا ، وما ذلك إلا الثبات على ما هم عليه ، وقال : (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) [إبراهيم : ٢٧] وهو الإيمان ، وقال في آية أخرى : (لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا) [النحل : ١٠٢] فجعل دوامهم على الإيمان واستقامتهم عليه إيمانا.
وقال تعالى : (زادَتْهُمْ إِيماناً) [الأنفال : ٢] قال أبو داود : إيمانا مع إيمانهم فأطلق فيه اسم الزيادة ، واسم الثبات ، واسم الإيمان.
وإن كانت الزيادة منصرفة إلى الأعمال ، فهو عندنا على الزيادة من جهة (١) الفضيلة والكمال ، لا إلى الزيادة في عينه ؛ لأن الشيء إذا استحق الزيادة بغيره فاستحقاقه يقع من جهة الفضيلة والكمال ؛ ألا ترى إلى قول رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «صلاة في مسجدي هذا تعدل ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام» (٢) ومعلوم أنه لم يرد به التفاضل من جهة العدد ؛ إذ هو يأتي بأعين الأفعال التي يلزمه إتيانها في غير ذلك ؛ فكانت الزيادة منصرفة إلى الكمال والفضل ، لا إلى الزيادة من جهة العدد.
وكذلك قال : «صلاة في جماعة تفضل على صلاة المرء وحده بخمس وعشرين درجة» (٣) ، ولم يرد به الزيادة (٤) من جهة العدد ؛ وإنما أريد به الزيادة من جهة الفضل والشرف والكمال ، وكذلك الزيادة التي تقع للإيمان من الأعمال الصالحة ، إنما هي من جهة الفضيلة والشرف (٥) ؛ إذ الأعمال ليست من جنس الإيمان ؛ إذ الإيمان هو التصديق ، وذلك غير موجود في الأفعال ؛ فثبت أن زيادته من الوجه الذي ذكرنا دون غيره.
وقوله ـ تعالى ـ : (وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً) :
في هذا الفصل كلام بيننا وبين المعتزلة ، فهم يزعمون أن تلك العدة ـ وهي عدة الملائكة ـ جعلت محنة لأهل الإسلام ، وأهل الكتاب ، وأهل الكفر ، وللذين في قلوبهم مرض ؛ ليؤمنوا بها ، ويستسلموا لها (٦) لا ليكفر بها من كفر ، ويقول : (ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا
__________________
(١) في ب : حيث.
(٢) أخرجه البخاري (٣ / ٦٣) كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة (١١٩٠) ، ومسلم (٢ / ١٠١٢) كتاب الحج ، باب : فضل الصلاة بمسجدي مكة والمدينة (٥٠٥ / ١٣٩٤).
(٣) أخرجه البخاري (٢ / ١٣١) كتاب الأذان ، باب : فضل صلاة الجماعة (٦٤٧) ، ومسلم (١ / ٤٥٩) كتاب المساجد ، باب : فضل صلاة الجماعة وانتظار الصلاة (٢٧٢ / ٦٤٩).
(٤) في أ : التفاضل.
(٥) في أ : والقرب.
(٦) في ب : بها.