وقوله ـ عزوجل ـ : (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ كِتاباً) :
جائز أن يكون الإحصاء والكتاب واحدا.
وجائز أن يكون أريد بالإحصاء ما أثبت في الكتاب ؛ كقوله تعالى : (لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها) [الكهف : ٤٩].
وقوله : (فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً) الزيادة في العذاب هي دوامه وبقاؤه ، لا أن يزادوا على القدر الذي كان أعد لهم من العذاب ؛ لأنه أخبر أنهم لا يجزون إلا مثلها ، فإذا كان الذي عذبوا قبله جزاء لهم ، لم يجز [أن](١) يزادوا عليه فثبت أن الزيادة انصرفت على الدوام والبقاء ، وبهذا قال أصحابنا في تأويل قوله : (فَزادَتْهُمْ إِيماناً) [التوبة : ١٢٤] ، وفي كل ما ذكرت فيه (٢) الزيادة ـ : إنه على الثبات والدوام عليه ، لا أنه يزيد وينقص.
قوله تعالى : (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً (٣١) حَدائِقَ وَأَعْناباً (٣٢) وَكَواعِبَ أَتْراباً (٣٣) وَكَأْساً دِهاقاً (٣٤) لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا كِذَّاباً (٣٥) جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً (٣٦) رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً (٣٧) يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً (٣٨) ذلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً (٣٩) إِنَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً)(٤٠)
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً) ، أي : مفازا عن أنواع العذاب التي ذكرت في الطاغين.
وقوله ـ عزوجل ـ : (حَدائِقَ وَأَعْناباً) ، فالحدائق هي الأماكن التي أحاطت الأشجار بأطرافها.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَعْناباً) ظاهر ، وقد ذكرنا أنهم وعدوا في الآخرة بكل ما يقع لهم الرغبة في الدنيا.
ثم الأصل أن هذه السورة نزلت على إثر التساؤل بقوله تعالى : (عَمَّ يَتَساءَلُونَ. عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ) [النبأ : ١ ، ٢] ، فجائز أن يكون الذي حملهم على السؤال ما اعترض لهم من الشبه ، أو خطر ببالهم ، فسألوا ؛ ليبين لهم ، وتزول عنهم الشبه (٣) ، فذكرهم عظم نعمه وعجائب تدبيره وقوته وسلطانه ، ووعد أن من أمعن النظر فيها دلهم ذلك على بعثهم وإزاحة الإشكال عنهم بقوله : (كَلَّا سَيَعْلَمُونَ. ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ) [النبأ : ٤ ، ٥] ، وبين مآب من استقام على الصراط المستقيم ، وسلك سبيله ، وأخبر أن من لم ينعم النظر فيها ، ولم يعط النصفة من نفسه
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) في أ : من.
(٣) في ب : الشبهة.