مَثَلاً)؟ ولكن لما وجد منهم ذلك القول نسب الجعل إليه ، لا أن خلقوا لذلك الوجه ؛ وهو كقوله تعالى : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) [القصص : ٨] نسب إليهما الالتقاط وإن كان الالتقاط لغير ذلك الوجه ، وكذلك قال : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً) [آل عمران : ١٧٨] ، ومعلوم أن الإملاء لم يكن لازدياد الإثم ، ولكن هم لما ازدادوا إثما ، نسب الإملاء إليه ، وإن لم يكن الإملاء لذلك الوجه ، وكذلك يقال في الكلام السائر :
لدوا للموت وابنوا للخراب
ولا أحد يبني البناء للخراب ؛ ولكن مصيره لما كان إلى الخراب نسب البناء إليه ، وإن لم يكن البناء (١) لذلك الوجه ، ويقال : يسرق السارق لتقطع يده ، ومعلوم أنه ليس يسرق للقطع ، ولكن بسرقته إذن لزمه (٢) القطع ولأجلها ما قطع ، نسب الفعل إليه ، وإن كانت السرقة لغير ذلك الوجه ؛ فكذلك العدة التي ذكرت في الآية جعلت فتنة بجهة واحدة ، وهي التي ذكرناها (٣) ، لكنه لما وجد من الكفرة ما ذكرنا نسب الخلق إلى ذلك الوجه ، لا أن كان الجعل لذلك.
ولكنا نقول : لو كان الأمر على ما زعموا ، أدى ذلك إلى إسقاط الربوبية ؛ إذ في الحكمة : من عمل عملا يريد غير الذي يكون ، أوجب ذلك جهلا بالعواقب ، أو جعل عابثا في فعله ، ومن هذا وصفه ، لم يصلح أن يكون إلها ، بل يكون جاهلا سفيها ؛ ألا ترى أن من بنى شيئا (٤) يعلم أنه لا يكون ـ كان ذلك منه عبثا ، وإذا كان غير الذي يريده كان جاهلا به.
فإذا ثبت هذا فنقول : لو أراد الله من الكافر غير الذي كان منه ، لكان فعله خارجا مخرج الخطأ ، أو العبث ؛ فثبت أن الله ـ عزوجل ـ شاء لكل فريق ما علم أن يكون منهم ؛ فإذا علم من عبده أنه يؤثر الضلال على الهدى ، فقد شاء له الضلال ، وإذا علم أنه يؤثر فعل الخير ، شاء له ذلك ، ووفقه له ، وهداه إليه.
والجواب عن قوله ـ عزوجل ـ : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) [القصص : ٨] ، فمعناه : ليكون لهم في علم الله عدوا وحزنا ، لا أن كان الالتقاط منهم لذلك الوجه ؛ بل لو علموا أنه يصير لهم عدوا وحزنا لم يلتقطوه ، ولكنهم جهلوا ما ينتهي
__________________
(١) في ب : بنى.
(٢) في ب : لزمته.
(٣) في أ : ذكرنا.
(٤) في ب : بشيء.