جلده ولحمه وعظمه فتحرقها كذلك (١) أبدا ، ولا تبقي له روحا ولا تذره فيهرب منها ؛ فيتخلص من عذابها.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ) :
قيل (٢) فيه بوجوه :
قيل (لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ) ، أي : محرقة للجلد ، فالبشر : الجلد ، فجائز أن خص الجلد بالتلويح ؛ لأن الجلد من الإنسان هو الظاهر ؛ فيكون ظاهر الإحراق مؤثرا فيه ؛ فخصه بالذكر لهذا ؛ كما سمي الإنسان : إنسانا ؛ لظهوره لكل من هو من أهل الروية ، وسمي الجن جنا : لاستتاره عمن ليس من جنسه ، وهو كقوله ـ عزوجل ـ : (كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ) [النساء : ٥٦].
وقيل : (لَوَّاحَةٌ) ، أي : ظاهرة للبشر ؛ كقوله تعالى : (وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ) [الشعراء : ٩١].
وقوله : (وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى) [النازعات : ٣٦] ، أي : [تظهر لهم](٣) وتلوح ، فينظرون إليها ، ويتيقنون بالعذاب.
ويحتمل أن يكون قوله : (لَوَّاحَةٌ) ؛ لأن النار تأكل جلودهم ولحومهم ؛ فتظهر عظامهم وتلوح عند ذلك ، ثم تبدل جلودا ولحوما ، [أبدا](٤) على هذا مدار أمرهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ) :
روي عن ابن عباس ـ رضي الله عنها ـ أنهم خزنة جهنم مع كل واحد من الأعوان ما لا يحصى ، وذكر أن ستة منهم يقودون الكفرة إلى النار ، وستة يسوقونهم ، وستة يضربونهم بمقامع من الحديد والنيران ، والآخر هو الخازن الأكبر ، وهو مالك يأمرهم بما أمر هو به.
ويحتمل : أن يكون في السقر تسعة عشر دركا (٥) ، وقد سلط على كل درك ملك ؛ وذلك لأن جهنم ذات حد في نفسها ؛ لأن الله تعالى وعد أن يملأها من الجنة والناس ، ولو لم ترجع إلى حد ، لكان لا يتحقق امتلاؤها بالقدر الذي ذكر.
ويحتمل : أن يعذب فيها بتسعة عشر لونا من العذاب ، قد وكل واحد منهم أن يعذب بنوع من ذلك ، والأصل : أن الله تعالى حكيم يعلم أن في كل فعل من أفعاله حكمة
__________________
(١) قاله ابن عباس أخرجه ابن جرير (٣٥٤٣٤) ، وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق عنه ، كما في الدر المنثور (٦ / ٤٥٦) وهو قول قتادة ومجاهد وأبي رزين.
(٢) في ب : لذلك.
(٣) في ب : تطهرهم.
(٤) سقط في ب.
(٥) في أ : دركات.