بالسيف» (١).
ثم الأصل أن الساحر يفرق بين الاثنين ، ويعمل سحره في التفريق على وجه لا يوقف على سبب التفريق ، وكان سبب تفريق رسول الله صلىاللهعليهوسلم ظاهرا ؛ لأنه كان يأتيهم بالحجج ؛ فيعلم من أمعن النظر فيها صدّقه فيما يدعي من الرسالة فيؤمن به ، ومن ترك النظر فيها ، ولم يعط من نفسه النصفة ترك الإيمان به ؛ فبطل أن يكون تفريقه كتفريق السحر.
ولأن كلّا منهم لو تفكر فيما جاء به محمد صلىاللهعليهوسلم ، وأمعن النظر فيه ، حمله ذلك على الإيمان به ، والتصديق لرسالته ؛ فيصير الذي جاء به محمد صلىاللهعليهوسلم سبب [الاجتماع والألفة](٢) ، لا أن يكون سبب التفريق بين الأحبة.
ثم الأصل أن الساحر بغيته وقصده من سحره نيل الجاه عند العظماء والرؤساء واستفادة السعة في الدنيا ، ورسول الله صلىاللهعليهوسلم ، لم يكن يطلب بما أتى به الجاه عند الرؤساء ، بل عاداهم ، وأظهر الخلاف لهم ، فدعا الخلق إلى الزهادة في الدنيا لا إلى الاستكثار منها ، فكيف يجوز أن ينسب إلى السحر ، وقد أتى بما يضاد فعل السحرة؟.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ) :
قد علم أنه ليس بقول البشر ؛ لما عجز البشر عن إتيان مثله ، وقال : (إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً) ؛ فثبت أنه على العلم منه بأنها آيات عاند.
وقوله ـ عزوجل ـ : (سَأُصْلِيهِ سَقَرَ).
السقر : لون من العذاب.
وقيل : السقر : هي الدركة الخامسة.
وقيل (٣) : السقر : من أبواب جهنم ، ومعناه (٤) : سأدخله جهنم من باب السقر ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ) :
يحتمل : أي : لا تبقي [له] حياة يتلذذ بها ، ولا تذره يهلك فيستريح ، بل يبقى أبدا في الهلاك ، كما قال تعالى : (فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى) [طه : ٧٤].
ويحتمل : لا تبقي له جلدا ولا لحما ولا عظما ، بل تنضج جلده وتأكل لحمه ، وتكسر عظمه ، ولا تذره على تلك الحال كسير العظم ، مأكول اللحم ، نضيج الجلد ، بل يعاد
__________________
(١) ذكره ابن حجر في فتح الباري (١٠ / ٢٣٦) بلفظ : حد الساحر.
(٢) في ب : للاجتماع وللألفة.
(٣) انظر : تفسير ابن جرير (١٢ / ٣١٠).
(٤) في ب : فمعناه.