الأبد وأبعده من رحمته ؛ حيث أخذ ماله في الانتقاص ، وانقطعت مادة ماله ، فهذا أثر اللعن في الدنيا ، ووعد أن يصليه سقر ، وأن سيرهقه صعودا ، وذلك خزيه ولعنه في الآخرة ، فظهرت (١) ، إحدى اللعنتين في الدنيا وتلحقه الثانية في الآخرة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ثُمَّ نَظَرَ) جائز أن يكون نظر في كلمات القوم التي ألقوها فيما بينهم.
وقوله : (ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ) جائز أن يكون الذي حمله على العبوس والبسور هو ما ألقوا إليه المختلف (٢) من الكلمات ، فعبس وجهه عليهم ؛ لما في اختلافهم ظهور كذبهم.
أو يكون الذي دخل عليه من شدة الغيظ في أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم أهمه وأحزنه ، حتى أثر ذلك في وجهه ، فعبس لذلك وجهه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ) :
يحتمل أن يكون أدبر عن أولئك القوم الذين اجتمعوا للتدبير ، واستكبر عليهم.
أو أدبر عن طاعة الله تعالى ، واستكبر على رسوله ؛ حيث أعرض عنه ، ولم يجبه إلى ما دعاه إليه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَقالَ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ) :
أي : هذا الذي أتى به محمد مما يؤثر من أفعال السحر.
أو هذا الذي يخبر (٣) أنه أتى به من عند الله هو سحر يؤثر عمن تقدمه ، ولكن قال هذا على علم منه أنه ليس بسحر.
قال الفقيه ـ رحمهالله ـ : ولو كان الذي أتى به محمد صلىاللهعليهوسلم سحرا كما قرفوه به ، فهو لا يخرج من أن يكون حجة له في صدق مقالته وإثبات رسالته ؛ لأنه لا وجه لمعرفة السحر من طريق الرأي والتدبير ، وإنما سبيل الوصول إليه الإتقان والتلقن عن الغير ، وقد علموا أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لم يلقنه أحد ، ولا وجد منه الاختلاف إلى من عنده علم ذلك ، فوقع لهم الإيقان (٤) : أنه بالله تعالى علم لا بأحد من الخلائق ؛ فيصير الذي قرفوه به من أعظم الحجة ، ولكن الله تعالى طهره عن السحر ، ونزهه عن ذلك ، وأمره بمعاداة السحرة حتى قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «اقتلوا كل ساحر وساحرة» (٥) ، وقال : «توبة الساحر ضربة
__________________
(١) زاد في ب : من.
(٢) في ب : التخلف.
(٣) في ب : يخبرنا.
(٤) في ب : الإتقان.
(٥) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (١ / ١٤٥).