وهو كقوله : (وَكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها لِيَمْكُرُوا فِيها وَما يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ) [الأنعام : ١٢٣].
ووجه رجوع المكر إلى أنفسهم ذكروا فيه أوجها :
أحدها : رجوع المكر إلى أنفسهم : أن الله تعالى أظهر سوء صنيعهم برسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وجعله آية تتلى إلى يوم القيامة ؛ فيكون فيه ظهور كذبهم ، وإلحاق العار بهم إلى يوم التناد ، وتوارد (١) اللعن.
والثاني : أن الكبراء إذا اجتمعوا في مكان للتدبير ، اتصل بهم أوساطهم واختلط بهم صغارهم فيقع لجملتهم العلم بالذي وقع عليه التدبير واتفقت عليه الكلمة ، وإذا وقفوا على تدبيرهم جملة ، انتشر علم (٢) ذلك في الآفاق ، فيقف الناس على كذبهم وافتعالهم ، فيتحقق عند ذلك جهلهم بحال رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ويصير كذبهم شائعا في الخلق ظاهرا من الوجه الذي أرادوا نفي سمة الجهل عن أنفسهم ؛ ويتحقق عند الناس كذبهم ؛ فلا يركنوا إلى قولهم ولا يلتفتوا إلى إخبارهم عن حاله ؛ إذ قد تبين جهلهم بحاله ؛ فيكون ذلك سببا لترغيب الناس إلى الإسلام ودعائهم إليه ، لا أن يكون سببا للصد عن سبيل الله ؛ فصار المكر راجعا إليهم.
ثم قوله : (إِنَّهُ فَكَّرَ) ، أي : فكر في الأمر الذي أراد إحكامه ، أو فكر في الكلمات التي ألقوها فيما بينهم ، أيها أليق برسول الله صلىاللهعليهوسلم فينسب إليه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَقَدَّرَ) يخرج على هذا أيضا.
وقوله : (فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ) ، قيل : لعن ، واللعن هو الإبعاد عن رحمة الله تعالى ، وقد ظهر الإبعاد ؛ لأن مادة ماله قد انقطعت في الدنيا ، وأخذ ما كان اجتمع عنده في الانتقاص إلى أن أهلكه الله تعالى ، ثم ساقه إلى النار خالدا فيها.
وقوله ـ عزوجل ـ : (كَيْفَ قَدَّرَ) ، أي : كيف لم يستح عن تقديره الذي قدر من تسمية رسول الله صلىاللهعليهوسلم : ساحرا ، وقد علم أنه في إنشاء ذلك الاسم كاذب؟
أو كيف اجترأ على الله تعالى ، وتجاسر وهو يعلم أنه رسول حق ، فعاند آياته ، واجترأ على ذلك ، ولم يخف نقمة الله تعالى؟!.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ) فلعنه مرتين ، وقد ظهر أثر اللعن فيه في الدنيا والآخرة جميعا ؛ لأن الله تعالى فضحه بما أظهر كذبه للخلائق ، فبقي ذلك العار إلى آخر
__________________
(١) في ب : وبوار.
(٢) في أ : انتشروا على.