يصليهم سقر بشيء لا إرادة لهم فيه.
وإن (١) سلمتم أنه أراد إصلاءهم سقر إذا داموا على الكفر واستقروا عليه ، فقد لزمكم أن تقولوا : إن الله تعالى أراد من كل أحد ما علم أنه يختاره ، ويكون منه.
ويقال لهم : إن الله تعالى يقول : (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِ) [الإسراء : ١١١] ، ولو كان الأمر على ما زعمتم : أنه يريد من كل كافر أن يسلم ، ويؤمن به ، ويريد الكافر أن يكفر به ، ويعاديه (٢) ، فإذن قد أراد أن يكون له ولي من الذل ؛ لأنه يريد أن يواليه مع اختيار الكافر في معاداته ، تعالى الله عما يقول الظالمون علوّا كبيرا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ).
قال الفقيه [ـ رحمهالله ـ](٣) : إن فراعنة رسول الله صلىاللهعليهوسلم اعتقدوا (٤) معاندة الحق ، واعتقدوا صد الناس عن سبيل الله وأن يطفئوا نوره ، فأرادوا أن يجمعوا على أمر ينسبونه إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم على وجه ينفون عن أنفسهم سمة الجهل وتهمة الكذب في ذلك ، على ما ذكروا أن الوليد جمع أصحابه ، فقال : إن هذه أيام الموسم ، وإن (٥) الناس سائلوكم عن هذا الرجل ؛ فما ذا تقولون؟
فقال بعضهم : نقول : هو شاعر ؛ قال : إنهم قد سمعوا الشعر ، وما قوله بقول شعر.
وقال بعضهم : نقول : هو كاهن ؛ فقال : إن الكهانة معروفة عند العرب ، وإذا سمعوا قوله عرفوا أنه ليس بكاهن ؛ فيكذبونكم.
وقال بعضهم : نقول : هو كذاب ؛ فقال : إنا قد اختبرناه فما أخذنا عليه كذبة قط.
فقال بعضهم : نقول : هو مجنون. فقال : إذا نظروا إليه علموا أنه ليس بمجنون ، فأعيا عليهم ، ففكر في نفسه وقدر ، فقال : (إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ)(٦) : ما هذا الذي أتى به إلا سحر يؤثره عن غيره ـ أي : يرويه ـ فاتفقت كلمتهم على تسميته : ساحرا ، وقالوا : الساحر يفرق بين اثنين ، وقد وجد منه التفريق بين الآباء والأولاد وبين ذوي الأرحام ؛ رجاء أن يصلوا إلى مرادهم من صد الناس عن سبيل الله تعالى وإطفاء نوره ؛ مكرا منهم ،
__________________
(١) في ب : فإن.
(٢) في ب : وبعبادته.
(٣) في ب : رضي الله عنه.
(٤) في ب : عقدوا.
(٥) في ب : فإن.
(٦) أخرجه أبو نعيم في الدلائل من طريق مجاهد عن ابن عباس ، كما في الدر المنثور (٦ / ٤٥٤) وله طرق أخرى ذكرها السيوطي في المصدر السابق.