والعناد : هو مخالفة الحق عن علم بظهور الحق ؛ فيكون قوله : (إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً) : أنه بعد علم وإحاطة ويقين عاند آيات الله ، وخالف أمر رسوله ، واستكبر.
والمكابر هو الذي يكابر عقله ، فيخالف ما يثبته عقله بالأقوال أو (١) بالأفعال.
ثم في قوله ـ عزوجل ـ : (ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ. كَلَّا) إبطال قول من قال : إن الله تعالى لا يفعل بعباده إلا ما هو الأصلح لهم ؛ لأن قوله : (أَنْ أَزِيدَ) لا يخلو إما أن تكون الزيادة التي كان يطمعها خيرا له ، وفي شرط الله ـ تعالى ـ عندهم أن يزيده ، وفي قوله : (كَلَّا) قطع طمعه للزيادة ؛ فيصير بحرمان الزيادة عنه جائرا ؛ فكيف حصل آية رسالته من الوجه الذي هو جور (٢) عندكم.
وإن كان حرمان الزيادة خيرا له وأصلح ؛ فكيف جعل الحرمان ـ أيضا ـ علما لنبوته ، وكان عليه أن يحرمه على زعمكم.
وفي قراءة عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ : ثم يطمع أن يزيد.
وقوله ـ عزوجل ـ : (سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً) :
جائز أن يكون على تحقيق الصعود ، وهو العقبة التي يشتد الصعود عليها ؛ كما ذكره بعض أهل التأويل ، فيكلف الصعود عليها (٣).
وجائز أن يكون على التمثيل ؛ وذلك لأن الصعود في الشاهد مما يشق على المرء ، والهبوط مما يسهل على المرء الانحدار عنه.
فإن كان على هذا ، ففيه أنه يصيبه في الآخرة مما يشتد ويشق على نفسه تحمل ذلك.
ثم يقال للمعتزلة في هذه الآية وفي قوله : (سَأُصْلِيهِ سَقَرَ) : إن في هذا وعيدا من الله تعالى بأن يصليه سقر ، وسيرهقه صعودا ، فأراد الله تعالى أن يصدق خبره ، وينجز وعده ، أو أراد أن يكذب خبره ، ويخالف وعده؟
فإن قلتم بالثاني ، فقد نسبتموه إلى الكذب ، وإلى خلف الوعد ؛ ومن هذا وصفه فهو سفيه جاهل ، لا يصلح أن يكون إلها.
وإن قلتم : بلى ، أراد أن يصدق خبره ، وينجز وعده ، قلنا لكم : أراد أن ينجز وعده مع دوامهم على الكفر ، أو عند انقلاعهم عنه؟
فإن زعمتم أنه إنما أراد أن يصليهم سقر على الخروج من الكفر ، فهذا منه جور ؛ لأنه
__________________
(١) في أ : و.
(٢) في ب : يجوز.
(٣) في ب : عليه.