الحالتين حالة وجود قيد الموضوع وحالة عدم قيد الموضوع وانتفائه ولكن العقل لم يدرك ذاك الملاك إلّا في حال وجود قيد الموضوع وتحقّقه ويدل على ذلك المطلب احتمال عدم دخل تلك الحالة التي كانت سابقا كالتغير ، أو كالقبح ، أو الحسن مثلا في ملاك حكم الشرع فالحكم الشرعي باق بحاله مع ذهاب تلك الحالة أو احتمال أن يكون مع الملاك الموجود في حال التغير والقبح والحسن ملاك آخر بأن كان لنجاسة الماء المتغيّر ملاكان أحدهما ملازم للتغير بحيث ينتفي بانتفائه ويذهب بذهابه ويبقى الملاك الثاني بلا دخل لتلك الحالة الزائلة في الملاك الآخر أصلا وإن كان لتلك الحالة الزائلة دخل في الحكم الذي لو اطلع العقل عليه ، أي على ملاكه ، لحكم بهذا الحكم وذلك كالتغير والاضطرار فانّهما دخيلان في موضوع حكم العقل بالنجاسة والقبح ولكن انّهما غير دخيلين في المفسدة الواقعية التي لم يطلع عليها العقل.
وبالجملة حكم الشرع انّما يتبع ما هو ملاك حكم العقل واقعا من المصلحة والمفسدة ولا يتبع ما هو مناط حكمه فعلا بحيث إذا حكم العقل فعلا حكم الشرع أيضا وإلّا فلا ، بل يكون حكم الشرع تابعا للمصلحة الواقعية والمفسدة النفس الامرية سواء اطلع عليهما العقل ، أم لم يطلع عليهما العقل.
وموضوع حكم العقل فعلا ممّا لا يكاد يتطرّق إليه الاهمال والاجمال لأنّ العقل إذا أدرك المناط وأحرز الموضوع احرازا تامّا كاملا فيحكم حكما بتيا جزميا فلا يتطرّق الشك في الأحكام العقلية كي تستصحب مع تطرق الاهمال والاجمال في موضوع حكمه الشأني لاحتمال وجود مصالح ومفاسد في الأفعال واقعا ولكن لم يطلع عليها العقل كما كان الأمر كذلك في أكثر الأحكام الشرعية.
وقد انقدح لك ان للعقل حكمين : أحدهما شأني ، والآخر فعلي. فالاهمال لا يكون في حكمه الفعلي ، والوجه كما تقدّم آنفا.