من ذلك قوله : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ) [الحجر : ٧٧] و (لِلْمُوقِنِينَ) [الذاريات : ٢٠] و (لِلْمُتَّقِينَ) [البقرة : ٢] ؛ ونحوه. والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ).
يشبه أن يكون [هذا](١) على الإضمار ؛ وهو ما ذكر في آية أخرى ؛ أي : اذكروا نعمة الله عليكم (إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً ...) الآية [المائدة : ٢٠].
واذكروا أيضا : (إِذْ أَنْجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ) قيل يعذبونكم (سُوءَ الْعَذابِ).
وقال قائلون : يكلفونكم سوء العذاب (وَيُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ).
السوم : الإذاقة والتعريض ؛ يقال : سامني كذا : أي : أذاقني وعرضني ، ويقال : سمت الدابة على الحوض : أي : عرضتها.
(وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) هذا أيضا قد ذكرناه ؛ فيما تقدم في سورة البقرة والأعراف. والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِذْ تَأَذَّنَ).
قال بعضهم (٢) : (وَإِذْ تَأَذَّنَ) قال ربكم. وقيل (٣) : إذ أعلم ربكم وأخبر ، والعرب ربما قالت : أفعلت في معنى تفعلت ؛ فهذا من ذلك (٤) ، ومثله في الكلام : أوعدنى وتوعدنى ؛ وهو قول الفراء ، وحقيقته : وعد ربكم أو كفل ربكم ؛ لئن شكرتم لأزيدنكم ، لم يقل : لئن شكرتم نعمة كذا ، ولا بيّن أي نعمة : النعم كلها ، أو نعمة دون نعمة ، ولا قال : شكرتم بما ذا ، وقال لأزيدنكم ؛ لم يذكر الزيادة في ما ذا ؛ ومن أي : شيء هى.
فيشبه أن يكون قوله : (لَئِنْ شَكَرْتُمْ) بالتوحيد ؛ أي : وحّدتم الله في الدنيا ؛ فيما خلقكم خلقا ؛ وركّب فيكم ما تتلذذون وتتنعمون في الدنيا ؛ وفيما قومكم من أحسن تقويم. (لَأَزِيدَنَّكُمْ) النعم الدائمة في الآخرة ؛ فيصير على هذا التأويل كأنه قال : لئن أتيتم شاكرين في الآخرة لأزيدنكم النعم الدائمة ، وإلى هذا يذهب ابن عباس رضي الله عنه ؛ أو قريب منه ؛ ألا ترى أنه قال :
(وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ) أي : ولئن كفرتم ولم توحدوه ؛ وأشركتم غيره فيه ؛
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) قاله ابن مسعود وابن زيد ، أخرجه ابن جرير عنهما (٢٠٥٨٣ ، ٢٠٥٨٤).
(٣) قاله البغوي في تفسيره (٣ / ٢٧).
(٤) في ب : ذاك.