وإن (١) كان فهو عقوبة وليس بحد ؛ كحبس الدعارة وغيره.
والدليل على أن النفي ليس بحد أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ قال في الإماء : (فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ) [النساء : ٢٥] والأمة لا تنفي ؛ لما روي عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم [أنه](٢) قال : «إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها ، ثمّ إذا زنت فليجلدها ، ثمّ إذا زنت فليبعها ولو بضفير» (٣) : أمر بجلدها ولم يأمر بالنفي ، ولو كان حدّا لأمر به كما أمر بالجلد ؛ دل أنه ليس بحدّ في الحر ، ولأنه أوجب على الإماء نصف ما أوجب على الحرائر ، ولا نصف للنفي ؛ دل أنه ليس بحد ، ولا يجب ذلك ، أو إن كان فهو حبس ، وفي الحبس نفي ، فيحبسان (٤) أو ينفيان ؛ لينسيا [ما أصابا ؛ لأن كل من رآهما يذكر فعلهما ؛ فينفيان لذلك ، لا أنه حد ؛ ولكن لينسيا](٥) ذلك ولا يذكر.
وقوله ـ أيضا ـ : (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ ...)(٦) إلى قوله ـ تعالى ـ : (فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا) [النساء : ١٦] ـ يخرج على وجهين ـ لو كان الإتيان الزنا :
أحدهما : أن يكون في جميع الإناث الحبس ، وفي الذكور : الإيذاء ؛ ولذلك جمع بين
__________________
(١) في ب : أو إن.
(٢) سقط من ب.
(٣) أخرجه البخاري (٥ / ٤٨٦) كتاب العتق : باب كراهية التطاول على الرقيق (٢٥٥٥ ، ٢٥٥٦) ، ومسلم (٣ / ١٣٢٨) في الحدود : باب رجم اليهود أهل الذمة في الزنى (١٧٠٣) ، وأحمد (٤ / ١١٧) ، والدارمي (٢ / ١٨١) ، وأبو داود في الحدود : باب في الأمة تزني ولم تحض (٤٤٦٩) والنسائي في الكبرى (٣ / ٢٣٧) ، والبيهقي في السنن الكبرى (٨ / ٢٤٢ ، ٢٤٤) وابن حبان في صحيحه (١٠ / ٢٩٢ ـ ٣٩٣) (٤٤٤٤) في الحدود : باب الزنى وحده.
(٤) في ب : فيحبس.
(٥) ما بين المعقوفين سقط من ب.
(٦) قال القرطبي (٥ / ٥٦ ـ ٥٧) : واختلف العلماء هل كان هذا السجن حدّا أو توعدا بالحد على قولين : أحدهما : أنه توعد بالحد ، والثاني : أنه حدّ ؛ قاله ابن عباس والحسن. زاد ابن زيد : وأنهم منعوا من النكاح حتى يموتوا عقوبة لهم حين طلبوا النكاح من غير وجهه. وهذا يدل على أنه كان حدّا بل أشدّ ؛ غير أن ذلك الحكم كان ممدودا إلى غاية ، وهو الأذى في الآية الأخرى ، على اختلاف التأويلين في أيهما قبل ؛ وكلاهما ممدود إلى غاية وهي قوله ـ عليهالسلام ـ في حديث عبادة بن الصامت : «خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا ، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام ، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم». وهذا نحو قوله تعالى : (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ)[البقرة : ١٨٧] فإذا جاء الليل ارتفع حكم الصيام لانتهاء غايته لا لنسخه. هذا قول المحققين المتأخرين من الأصوليين ، فإن النسخ إنما يكون في القولين المتعارضين من كل وجه ؛ اللذين لا يمكن الجمع بينهما ، والجمع ممكن بين الحبس والتعيير والجلد والرجم ، وقد قال بعض العلماء : إن الأذى والتعيير باق مع الجلد ؛ لأنهما لا يتعارضان بل يحملان على شخص واحد. وأما الحبس فمنسوخ بإجماع ، وإطلاق المتقدمين النسخ على مثل هذا تجوز.