وقيل : إن آية الأذى كانت في الرجل والمرأة ، وآية الحبس كانت في حبس المرأة (١).
ويحتمل أن تكون آية الأذى في البكر في الرجل والمرأة جميعا ، وآية الحبس في الثيب في الرجل والمرأة جميعا.
ويحتمل أن تكون آية الأذى في الرجال خاصّة : فيما يأتي الذكر ذكرا ؛ على ما كان من فعل قوم لوط ، وآية الحبس في الرجال والنساء جميعا.
فإن كانت آية الأذى في الرجال خاصّة ؛ ففيها حجة لأبي حنيفة ـ رضي الله عنه ـ حيث لم يوجب على من عمل عمل قوم لوط الحدّ ؛ ولكن أوجب التعزير والأذى ، وهو منسوخ إن كان في هذا ، وإن كانت في الأول ؛ فهي منسوخة.
ثم اختلف بما به نسخ :
فقال قوم : نسخ بقوله : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ) [النور : ٢]
لكن عندنا هذا يجوز أن يجمع بين حكميهما ؛ فكيف يكون به النسخ؟! ولكن نسخ عندنا بالخبر الذي روي عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «خذوا عنّى ، خذوا عنّى ، قد جعل الله لهنّ سبيلا : البكر بالبكر ، والثّيّب بالثّيّب ، البكر يجلد وينفى ، والثّيّب يجلد ويرجم» (٢) ؛ ففيه دليل حكم نسخ القرآن بالسنة.
فإن قيل : في الآية دليل وعد النسخ بقوله : (أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً) ؛ فإنما صار منسوخا بما وعد [الله](٣) في الآية من النسخ ، لا بالسنة.
قيل : ما من آية أو سنة كان من حكم الله النسخ إلا والوعد فيه النسخ ، وإن لم يكن مذكورا ؛ لأن الله ـ عزوجل ـ لا يجعل الحكم في الشيء للأبد ثم ينسخ ؛ لأنه بدو ، وذلك فعل البشر لا فعل الربوبية ؛ فإذا كان ما ذكرنا فلا فرق بين أن ينسخه بوحي يكون قرآنا يتلى وبين أن ينسخه بوحي لا يكون قرآنا ، وفيه أخبار كثيرة :
روي أنه رجم ماعزا لما أقرّ بالزنا مرارا ، ورجم ـ أيضا ـ غيره : ما روي أن عسيف الرجل زنا بامرأته ، وقال : سأقضي بينكما بكتاب الله تعالى ، وقال : «واغد يا أنيس على
__________________
(١) انظر : البحر لأبي حيان (٣٠ / ٢٠٦) ، تفسير القرطبي (٥ / ٥٧) ، تفسير الرازي (٩ / ١٩٠).
(٢) أخرجه مسلم (٣ / ١٣١٦) في الحدود : باب حد الزنى (١٦٩٠) ، وأحمد في المسند (٥ / ٣١٣) ، والدارمي (٢ / ١٨١) ، وأبو داود (٢ / ٥٤٩) في الحدود : باب في الرجم (٤٤١٥) (٤٤١٦) ، والبيهقي في السنن (٨ / ٢٢٢) ، وابن أبي شيبة (١٠ / ١٨٠) ، وابن حبان في صحيحه (١٠ / ٢٧٢ ، ٣٧٣) (٤٤٢٦ ، ٤٤٢٧) في الحدود : باب الزنى وحدّه.
(٣) سقط من ب.