وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ)
أي : بالعدل ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ) [النساء : ١٣٥] وكقوله ـ تعالى ـ : (وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ...) الآية [النساء : ٥٨].
(إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)
أي : العادلين في الحكم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْراةُ فِيها حُكْمُ اللهِ)
يعجّب نبيه صلىاللهعليهوسلم شدة سفههم وتعنتهم بتركهم الحكم بالذي صدقوا ، وطلب الحكم بما كذبوا ؛ لأنهم صدقوا التوراة وما فيها من الحكم ، وكذبوا ما أنزل على محمد صلىاللهعليهوسلم ، يقول ـ والله أعلم ـ : إنهم إذا لم يعملوا بالذي صدقوا ، كيف يعملون (١) بالذي كذبوا؟! وذلك تعجيب منه إياه شدة السفه والتعنت.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فِيها حُكْمُ اللهِ) ، أي : حكم الله الذي تنازعوا فيه وتشاجروا : رجما [كان](٢) أو قصاصا أو ما كان ، والله أعلم.
وقوله : (ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ)
يحتمل وجهين :
يحتمل : يتولون من بعد ما تحكم بينهم عما حكمت.
ويحتمل : يتولون من بعد ما عرفوا من الحكم عليهم بما في التوراة.
وقوله : (وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ)
أخبرهم أنهم ليسوا بمؤمنين ، ثم سماهم كافرين في آخر الآية ، بقوله : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) لم يجعل درجة ثالثة ؛ فهذا ينقض قول من يجعل درجة ثالثة بين الإيمان والكفر ، وهو قول المعتزلة.
وقوله : (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ)
هدى من الضلالة ، ونور من العمى ، هدى لمن استهدى به ، ونور لمن استنار به من العمى
وقوله : (يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا)
اختلف فيه :
قال بعضهم : الآية على التقديم والتأخير : يقول : يحكم بها النبيون الربانيون والأخبار
__________________
(١) في ب : يعلمون.
(٢) سقط من ب.