النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ) [آل عمران : ١٢٦] ، وبقوله : (وَخُذُوا حِذْرَكُمْ) وقوله ـ تعالى ـ : (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ) [الأنفال : ٦٠] ، وقوله : (فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً) [النساء : ٧١] ، وغيره من الآيات ، فيها الدلالة على تعلم آداب الحرب وأخذ الأهبة فيه ؛ حيث أمرهم ـ عزوجل ـ بمجاهدة العدو في غير آى من القرآن.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ ...) الآية.
هذا يعلم بالطبع أن كل أحد يطلب الفرصة على عدوه والغفلة منه ، هذا معروف في طباع الخلق.
وقوله ـ عزوجل ـ : (عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ) : ما يحارب به ويقاتل.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَمْتِعَتِكُمْ) ـ يحتمل : أمتعتكم : ما يحرس به العدو ويستتر به منه ، أي : يطلبون الغفلة عن الأسلحة والأمتعة.
ويحتمل : الأمتعة أن يريد بها غيرها ، من : الثياب وغيرها.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ)
في الآية دلالة أن الله ـ تعالى ـ لم يرد بقوله : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ ...) [التوبة : ١١١] ـ بذلها للقتل ؛ حيث رخص لهم وضع الأسلحة وأخذ الحذر عند ما بلوا بالمطر و (١) المرض ؛ لأنه لو كان المراد بشراء الأنفس منهم بذلها للقتل ـ لكان لا يرفع (٢) ذلك عند ما يخافون على أنفسهم من الهلاك ؛ إذ المرض وخوف الهلاك لا يرفع ذلك في الأحوال كلها إذا كان الأمر بذلك أمرا بالقتل والهلاك ؛ ألا ترى أن من وجب عليه الرجم لم يرفع عنه بالمرض الرجم ؛ لأن في الرجم هلاكه ، فلما رفع عنهم القتال في حال المرض ، أو في الحال الذي يخاف الهلاك ـ دل أنه لم يرد بشراء الأنفس بذلها للقتل ؛ ولكن أراد ـ والله أعلم ـ إظهار دين الله ، ونصر [أهل دينه](٣) ؛ ألا ترى أنه قال في آية أخرى : (فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) [النساء : ٧٤] جعل الثواب والأجر عند الغلبة على عدوه مثل ما جعل عند القتل ، ولو كان الأمر بذلك أمرا بالقتل خاصة ـ لا يستوجب الأجر والثواب بغيره ؛ دل أنه ما ذكرنا ؛ ألا ترى أنه قال : (فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا) [التوبة : ١١١] : جعل الوعد للقاتل ما جعل
__________________
(١) في ب : أو.
(٢) في ب : يدفع.
(٣) في ب : أوليائه.