والثاني : أنه ما كان بمتروك له من التأنيب والتوبيخ والتعيير بسوء صنيعه بأخيه وتعديه حدّ الله وبمعونة ولي القتيل ؛ إذ قال : (مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً) [المائدة : ٣٢] فحق ذلك على الناس أن يظهروا له النكير عليه ، ويقوموا بالنصر لوليه ـ والله أعلم ـ إلا أن يكون خطأ ؛ فلا يتلقونه بشيء مما ذكرت ، بل يقومون بالشفاعة له ، والمعونة في احتمال ما لزمه ؛ ولذلك جعل ـ والله أعلم ـ أمر العقل على ما به من إبقاء الألفة ، ودفع الضغينة ، واجتماع [التألم في المصيبة](١).
ومنهم من يقول في تأويل الآية : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ) أي : حرام عليه ذلك الفعل بما حرم الله ، وبما بينهما من الأخوة في الدين ، وبما هو شقيقه وجنسه ، يتألم [بما يتألم به الآخر](٢) ويتأذى الآخر ، والنفس عن مثله تنتهي ، والطبع ينفر ، فما كان له بعد هذا أن يقتل.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِلَّا خَطَأً) قيل فيه بوجوه :
أحدها : أن يقع ذلك منه على الخطأ ؛ فيكون على ما لا يلحقه اللائمة التي ذكرنا ، ولا وصف التعدي الذي وصفنا.
والثاني : أن يكون الأمر في موضع الابتداء ؛ لما بين له من الحكم بمعنى : وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا البتة ، لكن من قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة ؛ كقوله : (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلَّا سَلاماً) [مريم : ٦٢] بمعنى : لا يسمعون فيها لغوا البتة ، لكن الذي يسمعون : يسمعون سلاما.
وقيل : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً) : إلا ألا يعلمه أنه مؤمن ، وكان عرفه كافرا ، له قتله بما روي من الإذن في البيات وقتل عيون الكفرة بما سبق من ظهور كفرهم ، وإن احتمل إيمانهم فيما بين الوقتين ؛ فيكون بمعنى : حرام عليهم إلا من هذا وصفه.
ويجوز : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً) أي : [ليس](٣) لمؤمن ذلك قط إلا أن يقتل خطأ (٤) ؛ فإنه ليس فيمن يقال كان له أو لا ؛ لما يقع به إلا (٥) أن يفعله هو في التحقيق ؛ إذ حقيقة الفعل أن يقع بإرادة ويخرج عليها ، وهذا لا يقع بها ، ولا يخرج
__________________
(١) في ب : للتألم للمصيبة.
(٢) في ب : مما يتألم الآخر.
(٣) سقط من ب.
(٤) ذكره بمعناه أبو حيان في البحر المحيط (٣ / ٣٣٣).
(٥) في ب : لا.