في حرف ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال : «وأنا قدرتها عليك» (١)
يحتمل : أن يكون قوله ـ تعالى ـ : (ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ) يرجع إلى ما ذكرت من السعة والعافية ونحوها (وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ) من البلاء (٢) ، والشدة (من نفسك) أي : من جناية نفسك ؛ جزاء.
وفي الأول قال : (فَمِنَ اللهِ) في ذلك بعينه بحق الجزاء ، وفي الثاني : (فَمِنْ نَفْسِكَ) بحق الجناية على الآية التي ذكرت (٣) من قوله ـ تعالى ـ : (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) [الشورى : ٣٠].
ويحتمل : أن تكون الآية الأولى في أمر الدنيا ، والأخرى في أمر الدين ؛ إذ اختلفت الإضافة في هذه واتفقت في الأولى ؛ إذ الأولى على ما عليه أمر المحنة من قوله ـ تعالى ـ : (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) [الأنبياء : ٣٥] ، وقوله ـ عزوجل ـ : (وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ) [الأعراف : ١٦٨] ، وقوله ـ تعالى ـ : (خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) [الملك : ٢] ، جعل الله ـ تعالى ـ بمختلف أحوال للعباد لا منفع لهم في ذلك ، وكذلك قوله ـ تعالى ـ : (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ ...) الآية [الأنعام : ١٧] ، وقوله ـ تعالى ـ : (اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ ...) الآية [الرعد : ٢٦].
والثانية (٤) : في حق الأفعال ، فيضاف إلى الله ما صلح منها ؛ شكرا وحمدا بما أنعم الله عليه ، وذلك قوله ـ تعالى ـ : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ) [النساء : ٨٣] ، وقوله :
__________________
ـ والسيئة المعصية ؛ قالوا : وقد نسب المعصية في قوله ـ تعالى ـ : (وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) [النساء : ٧٩] إلى الإنسان دون الله تعالى ؛ فهذا وجه تعلقهم بها ، ووجه تعلق الآخرين منها قوله ـ تعالى ـ : (قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ) [النساء : ٧٨] قالوا : فقد أضاف الحسنة والسيئة إلى نفسه دون خلقه ، وهذه الآية إنما يتعلق بها الجهال من الفريقين جميعا ؛ لأنهم بنوا ذلك على أن السيئة هي المعصية ، وليست كذلك لما بيناه والله أعلم.
والقدرية إن قالوا : «ما أصابك من حسنة» أي من طاعة «فمن الله» فليس هذا اعتقادهم ؛ لأن اعتقادهم الذي بنوا عليه مذهبهم أن الحسنة فعل المحسن والسيئة فعل المسيء ، وأيضا فلو كان لهم فيها حجة لكان يقول : ما أصبت من حسنة وما أصبت من سيئة ؛ لأنه الفاعل للحسنة والسيئة جميعا ، فلا يضاف إليه إلا بفعله لهما لا بفعل غيره ، نص على هذه المقالة الإمام أبو الحسن شبيب بن إبراهيم بن محمد بن حيدرة ، في كتابه المسمى : بحر الغلاصم في إفحام المخاصم.
(١) ذكره السيوطي في الدر (٢ / ٣٣١) وعزاه لابن المنذر عن مجاهد عن ابن عباس ، ولابن المنذر وابن الأنباري في المصاحف عن مجاهد ، قال : هي في قراءة أبي بن كعب وابن مسعود.
(٢) في ب : البلايا.
(٣) في أ : إلى ما ذكرت.
(٤) في ب : والثاني.