المعاذير الباطلة (وَزُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ) أي : وزيّن الشيطان ذلك الظن في قلوبكم فقبلتموه. قرأ الجمهور (وَزُيِّنَ) مبنيا للمفعول ، وقرئ مبنيا للفاعل. (وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ) أن الله سبحانه لا ينصر رسوله ، وهذا الظن إما هو الظن الأول ، والتكرير للتأكيد والتوبيخ ، والمراد به ما هو أعمّ من الأوّل ، فيدخل الظنّ الأوّل تحته دخولا أوّليا (وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً) أي : هلكى. قال الزجاج : هالكين عند الله ، وكذا قال مجاهد. قال الجوهري : البور : الرجل الفاسد الهالك الّذي لا خير فيه. قال أبو عبيد (قَوْماً بُوراً) هلكى ، وهو جمع بائر ، مثل حائل وحول ، وقد بار فلان ، أي : هلك ، وأباره الله : أهلكه (وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَعِيراً) هذا الكلام مستأنف من جهة الله سبحانه غير داخل تحت ما أمر الله سبحانه رسوله أن يقوله ، أي : ومن لم يؤمن بهما كما صنع هؤلاء المخلفون ، فجزاؤهم ما أعدّه الله لهم من عذاب السعير (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) يتصرّف فيه كيف يشاء لا يحتاج إلى أحد من خلقه ، وإنّما تعبّدهم بما تعبّدهم ليثيب من أحسن ويعاقب من أساء ، ولهذا قال : (يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ) أن يغفر له (وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) أن يعذبه (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ) (١). (وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) أي : كثير المغفرة والرحمة بليغها ، يخصّ بمغفرته ورحمته من يشاء من عباده (سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها) المخلفون هؤلاء المذكورون سابقا ، والظرف متعلّق بقوله (سَيَقُولُ) والمعنى : سيقولون عند انطلاقكم أيها المسلمون (إِلى مَغانِمَ) يعني مغانم خيبر (لِتَأْخُذُوها) لتحوزوها (ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ) أي : اتركونا نتبعكم ونشهد معكم غزوة خيبر. وأصل القصة أنه لما انصرف النبي صلىاللهعليهوسلم ومن معه من المسلمين من الحديبية وعدهم الله فتح خيبر ، وخصّ بغنائمها من شهد الحديبية ، فلما انطلقوا إليها قال هؤلاء المخلفون : ذرونا نتبعكم ، فقال الله سبحانه : (يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ) أي : يغيروا كلام الله ، والمراد بهذا الكلام الّذي أرادوا أن يبدّلوه هو مواعيد الله لأهل الحديبية خاصّة بغنيمة خيبر. وقال مقاتل : يعني أمر الله لرسوله أن لا يسير معه أحد منهم. وقال ابن زيد : هو قوله تعالى : (فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا) (٢) واعترض على هذا ابن جرير وغيره بأن غزوة تبوك كانت بعد فتح خيبر وبعد فتح مكة ، والأوّل أولى ، وبه قال مجاهد وقتادة ، ورجّحه ابن جرير وغيره. قرأ الجمهور : (كَلامَ اللهِ) وقرأ حمزة والكسائي «كلم الله» قال الجوهري : الكلام اسم جنس يقع على القليل والكثير ، والكلام لا يكون أقلّ من ثلاث كلمات لأنه جمع كلمة ، مثل نبقة ونبق. ثم أمر الله سبحانه رسوله صلىاللهعليهوسلم أن يمنعهم من الخروج معه فقال : (قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا) هذا النفي هو في معنى النهي ، والمعنى : لا تتبعونا (كَذلِكُمْ قالَ اللهُ مِنْ قَبْلُ) أي : من قبل رجوعنا من الحديبية أن غنيمة خيبر لمن شهد الحديبية خاصة ليس لغيرهم فيها نصيب (فَسَيَقُولُونَ) يعني المنافقين عند سماع هذا القول ، وهو قوله : («لَنْ تَتَّبِعُونا» بَلْ تَحْسُدُونَنا) أي : بل ما يمنعكم من خروجنا معكم إلا الحسد لئلا نشارككم في الغنيمة ، وليس ذلك
__________________
(١). الأنبياء : ٢٣.
(٢). التوبة : ٨٣.