سورة المطفّفين
قال القرطبي : وهي مكية في قول ابن مسعود والضحاك ومقاتل ، ومدنية في قول الحسن وعكرمة. وقال مقاتل أيضا : هي أوّل سورة نزلت بالمدينة. وقال ابن عباس وقتادة : هي مدنية إلا ثمان آيات من قوله : (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا) إلى آخرها. وقال الكلبي وجابر بن زيد : نزلت بين مكة والمدينة. وأخرج النحاس وابن مردويه عن ابن عباس قال : نزلت سورة المطففين بمكة. وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله. وأخرج ابن الضريس عن ابن عباس قال : آخر ما نزل بمكة سورة المطففين. وأخرج ابن مردويه ، والبيهقي في الشعب : قال السيوطي بسند صحيح : عن ابن عباس قال : لما قدم النبي صلىاللهعليهوسلم المدينة كانوا من أخبث الناس كيلا ، فأنزل الله : (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ) فأحسنوا الكيل بعد ذلك.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (١) الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (٢) وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (٣) أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (٤) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (٥) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (٦) كَلاَّ إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (٧) وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ (٨) كِتابٌ مَرْقُومٌ (٩) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١٠) الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (١١) وَما يُكَذِّبُ بِهِ إِلاَّ كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (١٢) إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (١٣) كَلاَّ بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٤) كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (١٥) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصالُوا الْجَحِيمِ (١٦) ثُمَّ يُقالُ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (١٧))
قوله : (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ) «ويل» مبتدأ ، وسوّغ الابتداء به كونه دعاء ، ولو نصب لجاز. قال مكي والمختار في ويل وشبهه : إذا كان غير مضاف الرفع ، ويجوز النصب ، فإن كان مضافا أو معرّفا كان الاختيار فيه النصب ؛ نحو قوله : (وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا) (١) وللمطففين خبره ، والمطفّف : المنقص ، وحقيقته : الأخذ في الكيل أو الوزن شيئا طفيفا ، أي : نزرا حقيرا. قال أهل اللغة : المطفّف مأخوذ من الطّفيف ، وهو القليل ، فالمطفّف هو المقلّل حق صاحبه بنقصانه عن الحق في كيل أو وزن. قال الزجاج : إنما قيل للذي ينقص المكيال والميزان مطفف لأنه لا يكاد يسرق في المكيال والميزان إلا الشيء اليسير الطفيف. قال أبو عبيدة والمبرد : المطفف الّذي يبخس في الكيل والوزن. والمراد بالويل هنا شدّة العذاب ، أو نفس العذاب ، أو الشرّ الشديد ، أو هو واد في جهنم. قال الكلبي : قدم رسول الله صلىاللهعليهوسلم المدينة وهم يسيئون كيلهم ووزنهم لغيرهم ، ويستوفون لأنفسهم ، فنزلت هذه الآية. وقال السدي : قدم رسول الله صلىاللهعليهوسلم المدينة ، وكان بها رجل يقال له أبو جهينة ،
__________________
(١). طه : ٦١.