سورة الحجرات
هي ثماني عشرة آية وهي مدنية ، قال القرطبي : بالإجماع. وأخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس وابن الزبير أنها نزلت بالمدينة.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (٢) إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (٣) إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (٤) وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ (٦) وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (٧) فَضْلاً مِنَ اللهِ وَنِعْمَةً وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٨))
قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ) قرأ الجمهور (تُقَدِّمُوا) بضم المثناة الفوقية وتشديد الدال مكسورة. وفيه وجهان : أحدهما : أنه متعدّ وحذف مفعوله لقصد التعميم ، أو ترك المفعول للقصد إلى نفس الفعل ، كقولهم : هو يعطي ويمنع. والثاني : أنه لازم نحو وجه توجه ، ويعضده قراءة ابن عباس والضحاك ويعقوب «تقدّموا» بفتح التاء والقاف والدال. قال الواحدي : قدم ها هنا بمعنى تقدّم ، وهو لازم ، قال أبو عبيدة : العرب تقول : لا تقدّم بين يدي الإمام وبين يدي الأب ، أي : لا تعجل بالأمر دونه والنهي ؛ لأن المعنى : لا تقدّموا قبل أمر هما ونهيهما ، وبين يدي الإمام عبارة عن الإمام لا ما بين يدي الإنسان ، ومعنى الآية : لا تقطعوا أمرا دون الله ورسوله ولا تعجلوا به. وقيل : المراد معنى بين يدي فلان : بحضرته ؛ لأن ما يحضره الإنسان فهو بين يديه (وَاتَّقُوا اللهَ) في كلّ أموركم ، ويدخل تحتها الترك للتقدّم بين يدي الله ورسوله دخولا أوّليا. ثم علّل ما أمر به من التقوى بقوله : (إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ) لكلّ مسموع (عَلِيمٌ) بكل معلوم (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِ) يحتمل أن المراد حقيقة رفع الصوت ، لأن ذلك يدلّ على قلة الاحتشام وترك الاحترام ؛ لأن خفض الصوت وعدم رفعه من لوازم التعظيم والتوقير. ويحتمل أن يكون المراد المنع من كثرة الكلام ومزيد اللغط. والأوّل أولى. والمعنى : لا ترفعوا