سورة الحاقّة
هي إحدى وخمسون آية ، وقيل : اثنتان وخمسون وهي مكية. قال القرطبي : في قول الجميع. وأخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال : نزلت سورة الحاقة بمكة. وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله. وأخرج الطبراني عن أبي برزة قال : «إنّ النبي صلىاللهعليهوسلم كان يقرأ في الفجر بالحاقة ونحوها».
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(الْحَاقَّةُ (١) مَا الْحَاقَّةُ (٢) وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ (٣) كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ بِالْقارِعَةِ (٤) فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (٥) وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ (٦) سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ (٧) فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ (٨) وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكاتُ بِالْخاطِئَةِ (٩) فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً (١٠) إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ (١١) لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ (١٢) فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ (١٣) وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً (١٤) فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (١٥) وَانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ (١٦) وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ (١٧) يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ (١٨))
قوله : (الْحَاقَّةُ) هي القيامة ؛ لأن الأمر يحقّ فيها ، وهي تحقّ في نفسها من غير شك. قال الأزهري : يقال : حاققته فحققته أحقّه : غالبته فغلبته أغلبه ، فالقيامة حاقة لأنها تحقّ كلّ محاقّ في دين الله بالباطل وتخصم كل مخاصم. وقال في الصحاح : حاقّه أي خاصمه في صغار الأشياء ، ويقال : ما له فيها حقّ ولا حقاق ، أي : خصومة ، والتحاقّ : التخاصم ، والحاقة والحقّة والحقّ ثلاث لغات بمعنى. قال الواحدي : هي القيامة في قول كل المفسرين ، وسمّيت بذلك لأنها ذات الحواقّ من الأمور ، وهي الصادقة الواجبة الصدق ، وجميع أحكام القيامة صادقة واجبة الوقوع والوجود. قال الكسائي والمؤرّج : الحاقة يوم الحق ، وقيل : سمّيت بذلك لأنّ كلّ إنسان فيها حقيق بأن يجزى بعمله ، وقيل : سميت بذلك لأنها أحقّت لقوم النار ، وأحقّت لقوم الجنّة ، وهي مبتدأ وخبرها قوله : (مَا الْحَاقَّةُ) على أن «ما» الاستفهامية مبتدأ ثان وخبره «الحاقة» ، والجملة خبر للمبتدأ الأول ، والمعنى : أيّ شيء هي في حالها أو صفاتها ، وقيل : إن «ما» الاستفهامية خبر لما بعدها ، وهذه الجملة وإن كان لفظها لفظ الاستفهام فمعناها التعظيم والتفخيم لشأنها ، كما تقول : زيد ما زيد ، وقد قدّمنا تحقيق هذا المعنى في سورة الواقعة. ثم زاد سبحانه في تفخيم أمرها وتفظيع شأنها وتهويل حالها فقال : (وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ) أي : أيّ شيء أعلمك ما هي؟ أي : كأنك لست تعلمها إذ لم