والمعنى متقارب ، ومنه قول الشاعر :
يا لهف نفسي ولهفي غير مجدية |
|
عنّي وما من قضاء الله ملتحد |
والاستثناء في قوله : (إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللهِ) هو من قوله لا أملك ، أي : لا أملك ضرّا ولا رشدا إلا التبليغ من الله ، فإن فيه أعظم الرشد ، أو من ملتحدا ، أي : لن أجد من دونه إلا التبليغ. قال مقاتل : ذلك الّذي يجيرني من عذابه. وقال قتادة : إلا بلاغا من الله ، فذلك الّذي أملكه بتوفيق الله ، فأما الكفر والإيمان فلا أملكهما. قال الفراء : لكن أبلغكم ما أرسلت به ، فهو على هذا منقطع. وقال الزجاج : هو منصوب على البدل من قوله : (مُلْتَحَداً) أي : ولن أجد من دونه ملتحدا ؛ إلا أن أبلغ ما يأتي من الله ، وقوله : (وَرِسالاتِهِ) معطوف على بلاغا ، أي : إلا بلاغا من الله وإلا رسالاته التي أرسلني بها إليكم ، أو إلا أن أبلغ عن الله وأعمل برسالاته ، فآخذ نفسي بما آمر به غيري. وقيل : الرسالات معطوفة على الاسم الشريف ، أي : إلا بلاغا عن الله وعن رسالاته ، كذا قال أبو حيان ورجّحه (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ) في الأمر بالتوحيد لأنّ السياق فيه (فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ) قرأ الجمهور بكسر إن ؛ على أنها جملة مستأنفة. وقرئ بفتح الهمزة ؛ لأن ما بعد فاء الجزاء موضع ابتداء ، والتقدير : فجزاؤه أن له نار جهنم ، أو : فحكمه أن له نار جهنم ، وانتصاب (خالِدِينَ فِيها) على الحال ، أي : في النار أو في جهنم ، والجمع باعتبار معنى من كما أن التوحيد في قوله : (فَإِنَّ لَهُ) باعتبار لفظها ، وقوله : (أَبَداً) تأكيد لمعنى الخلود ، أي : خالدين فيها بلا نهاية (حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ) يعني من العذاب في الدنيا أو في الآخرة. والمعنى : لا يزالون على ما هم عليه من الإصرار على الكفر وعداوة النبي صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين ؛ حتى إذا رأوا الّذي يوعدون به (فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً) أي : من هو أضعف جندا ينتصر به وأقلّ عددا ، أهم أم المؤمنون؟ (قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ) أي : ما أدري أقريب حصول ما توعدون من العذاب (أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً) أي : غاية ومدّة ، أمره الله سبحانه أن يقول لهم هذا القول لما قالوا له : متى يكون هذا الّذي توعدنا به؟ قال عطاء : يريد أنه لا يعرف يوم القيامة إلا الله وحده ، والمعنى أن علم وقت العذاب علم غيب لا يعلمه إلا الله. قرأ الجمهور (رَبِّي) بإسكان الياء. وقرأ الحرميان وأبو عمرو بفتحها. و (مَنْ) في (مَنْ أَضْعَفُ) موصولة ، وأضعف خبر مبتدأ محذوف ، أي : هو أضعف ، والجملة صلة الموصول ، ويجوز أن تكون استفهامية مرتفعة على الابتداء ، وأضعف : خبرها. والجملة في محل نصب سادة مسدّ مفعولي «أدري» ، وقوله : (أَقَرِيبٌ) خبر مقدّم (وَما تُوعَدُونَ) مبتدأ مؤخر (عالِمُ الْغَيْبِ) قرأ الجمهور بالرفع على أنه بدل من «ربي» ، أو بيان له ، أو خبر مبتدأ محذوف ، والجملة مستأنفة مقرّرة لما قبلها من عدم الدراية. وقرئ بالنصب على المدح. وقرأ السريّ «علم الغيب» بصيغة الفعل ونصب الغيب ، والفاء في (فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً) لترتيب عدم الإظهار على تفرّده بعلم الغيب ، أي : لا يطلع على الغيب الّذي يعلمه ، وهو ما غاب عن العباد ، أحدا منهم ، ثم استثنى فقال : (إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ) أي : إلا من اصطفاه من الرسل ، أو من ارتضاه منهم لإظهاره على بعض غيبه ؛ ليكون ذلك دالّا