ويقول : هذه أعضاء أنعم الله بها عليك فلا تسجد بها لغيره فتجحد نعمة الله ، وكذا قال عطاء. وقيل : المساجد هي الصلاة ؛ لأن السجود من جملة أركانها ، قاله الحسن (فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً) من خلقه كائنا ما كان (وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللهِ) قد قدّمنا أن الجمهور قرءوا هنا بفتح أن ، عطفا على أنه استمع : أي وأوحى إليّ أنّ الشأن لما قام عبد الله ، وهو النبيّ صلىاللهعليهوسلم (يَدْعُوهُ) أي : يدعو الله ويعبده ، وذلك ببطن نخلة (١) كما تقدّم حين قام رسول الله صلىاللهعليهوسلم يصلي ويتلو القرآن ، وقد قدّمنا أيضا قراءة من قرأ بكسر «إن» هناك ، وفيها غموض وبعد عن المعنى المراد (كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً) أي : كاد الجنّ يكونون على رسول الله لبدا ، أي : متراكمين من ازدحامهم عليه لسماع القرآن منه. قال الزجاج : ومعنى لبدا : يركب بعضهم بعضا ، ومن هذا اشتقاق هذه اللبود التي تفرش. قرأ الجمهور (لِبَداً) بكسر اللام وفتح الباء. وقرأ مجاهد وابن محيصن وهشام بضم اللام وفتح الباء ، وقرأ أبو حيوة ومحمد بن السّميقع والعقيلي والجحدري بضم الباء واللام. وقرأ الحسن وأبو العالية والأعرج بضم اللام وتشديد الباء مفتوحة. فعلى القراءة الأولى المعنى ما ذكرناه ، وعلى قراءة اللام يكون المعنى كثيرا ، كما في قوله : (أَهْلَكْتُ مالاً لُبَداً) (٢) وقيل المعنى : كاد المشركون يركب بعضهم بعضا حردا على النبيّ صلىاللهعليهوسلم. وقال الحسن وقتادة وابن زيد : لما قام عبد الله محمد بالدعوة ، تلبدت الإنس والجن على هذا الأمر ليطفئوه ، فأبى الله إلا أن ينصره ، ويتم نوره. واختار هذا ابن جرير. قال مجاهد : (لِبَداً) أي : جماعات ، وهو من تلبد الشيء على الشيء ، أي : اجتمع ، ومنه اللبد : الّذي يفرش لتراكم صوفه ، وكل شيء ألصقته إلصاقا شديدا فقد لبّدته ، ويقال للشّعر الّذي على ظهر الأسد : لبدة ، وجمعها لبد ، ويقال للجراد الكثير : لبد ؛ ويطلق اللّبد بضم اللام وفتح الباء على الشيء الدائم ، ومنه قيل لنسر لقمان لبد لطول بقائه ، وهو المقصود بقول النابغة :
أخنى عليها الّذي أخنى على لبد (٣)
(قُلْ إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي) أي : قال عبد الله إنما أدعو ربي وأعبده (وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً) من خلقه. قرأ الجمهور : قال وقرأ عاصم وحمزة «قل» على الأمر. وسبب نزولها أن كفار قريش قالوا للنبي صلّى الله عليه وسلّم : إنك جئت بأمر عظيم ، وقد عاديت الناس كلهم ، فارجع عن هذا فنحن نجيرك (قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً) أي : لا أقدر أن أدفع عنكم ضرّا ، ولا أسوق إليكم خيرا ، وقيل : الضرّ : الكفر ، والرشد : الهدى ، والأوّل أولى لوقوع النكرتين في سياق النفي ، فهما يعمّان كل ضرر وكل رشد في الدنيا والدين (قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللهِ أَحَدٌ) أي : لا يدفع عني أحد عذابه إن أنزله بي (وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً) أي : ملجأ ومعدلا وحرزا ، والملتحد معناه في اللغة : الممال ؛ أي : موضعا أميل إليه. قال قتادة : مولى. وقال السدّي : حرزا ، وقال الكلبي : مدخلا في الأرض مثل السّرب ، وقيل : مذهبا ومسلكا ،
__________________
(١). «بطن نخلة» : موضع بين مكة والطائف.
(٢). البلد : ٦.
(٣). وصدره : أضحت خلاء وأضحى أهلها احتملوا.