(لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً) أي : كثيرا واسعا. قال مقاتل : ماء كثيرا من السماء ، وذلك بعد ما رفع عنهم المطر سبع سنين. وقال ابن قتيبة : المعنى لو آمنوا جميعا لوسعنا عليهم في الدنيا ، وضرب الماء الغدق مثلا ؛ لأن الخير كله والرزق بالمطر ، وهذا كقوله : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا) (١) الآية ، وقوله : (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ـ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) (٢) وقوله : (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً ـ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً ـ وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ) (٣) الآية. وقيل المعنى : وأن لو استقام أبوهم على عبادته ، وسجد لآدم ، ولم يكفر ، وتبعه ولده على الإسلام ؛ لأنعمنا عليهم ، واختار هذا الزجاج. والماء الغدق : هو الكثير في لغة العرب (لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) أي : لنختبرهم ؛ فنعلم كيف شكرهم على تلك النعم. وقال الكلبي : المعنى وأن لو استقاموا على الطريقة التي هم عليها من الكفر فكانوا كلهم كفارا ؛ لأوسعنا أرزاقهم مكرا بهم واستدراجا ؛ حتى يفتنوا بها ؛ فنعذّبهم في الدّنيا والآخرة. وبه قال الربيع بن أنس وزيد بن أسلم وابنه عبد الرّحمن والثّمالي ويمان بن رباب وابن كيسان وأبو مجلز ، واستدلوا بقوله : (فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ) (٤) وقوله : (وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ) (٥) الآية ، والأوّل أولى. (وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً) أي : ومن يعرض عن القرآن ، أو عن العبادة ، أو عن الموعظة ، أو عن جميع ذلك يسلكه ، أي : يدخله عذابا صعدا ، أي : شاقا صعبا. قرأ الجمهور (نَسْلُكُهُ) بالنون مفتوحة. وقرأ الكوفيون وأبو عمرو في رواية عنه بالياء التحتية ، واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم لقوله : (عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ) ولم يقل عن ذكرنا. وقرأ مسلم بن جندب وطلحة بن مصرّف والأعرج بضم النون وكسر اللام ، من أسلكه ، وقراءة الجمهور من سلكه. والصعد في اللغة : المشقة ، تقول : تصعّدني الأمر : إذا شقّ عليك ، وهو مصدر صعد ، يقال : صعد صعدا وصعودا ، فوصف به العذاب مبالغة ؛ لأنه يتصعّد المعذّب ، أي : يعلوه ويغلبه فلا يطيقه. قال أبو عبيد : الصّعد مصدر ، أي : عذابا ذا صعد. وقال عكرمة : الصّعد : هو صخرة ملساء في جهنم يكلّف صعودها ، فإذا انتهى إلى أعلاها حدر إلى جهنم ، كما في قوله : (سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً) (٦) والصعود : العقبة الكؤود (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ) قد قدّمنا اتفاق القراء هنا على الفتح فهو معطوف على أنه استمع ، أي : وأوحي إليّ أن المساجد مختصّة بالله. وقال الخليل : التقدير ولأن المساجد. والمساجد : المواضع التي بنيت للصّلاة فيها. قال سعيد بن جبير : قالت الجنّ : كيف لنا أن نأتي المساجد ، ونشهد معك الصلاة ، ونحن ناؤون عنك؟ فنزلت. وقال الحسن : أراد بها كل البقاع لأن الأرض كلها مسجد. وقال سعيد بن المسيب وطلق بن حبيب : أراد بالمساجد الأعضاء التي يسجد عليها العبد ، وهي القدمان والركبتان واليدان والجبهة ،
__________________
(١). المائدة : ٦٥.
(٢). الطلاق : ٢ ـ ٣.
(٣). نوح : ١٠ ـ ١٢.
(٤). الأنعام : ٤٤.
(٥). الزخرف : ٣٣.
(٦). المدثر : ١٧.