النَّشْأَةَ الْأُولى) وهي ابتداء الخلق من نطفة ، ثم من علقة ، ثم من مضغة ولم تكونوا قبل ذلك شيئا. وقال قتادة والضحّاك : يعني خلق آدم من تراب (فَلَوْ لا تَذَكَّرُونَ) أي : فهلّا تذكرون قدرة الله سبحانه على النشأة الأخيرة وتقيسونها على النشأة الأولى. قرأ الجمهور : (النَّشْأَةَ) بالقصر ، وقرأ مجاهد والحسن وابن كثير وأبو عمرو بالمدّ ، وقد مضى تفسير هذا في سورة العنكبوت (أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ) أي : أخبروني ما تحرثون من أرضكم فتطرحون فيه البذر (أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ) أي : تنبتونه وتجعلونه زرعا فيكون فيه السّنبل والحبّ (أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ) أي : المنبتون له الجاعلون له زرعا لا أنتم. قال المبرد : يقال زرعه الله ، أي : أنماه ؛ فإذا أقررتم بهذا فكيف تنكرون البعث (لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ حُطاماً) أي : لو نشاء جعلناه ما تحرثون حطاما ، أي : متحطما متكسّرا ، والحطام : الهشيم الّذي لا ينتفع به ولا يحصل منه حبّ ولا شيء ممّا يطلب من الحرث (فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ) أي : صرتم تعجبون. قال الفرّاء : تفكهون تتعجبون فيما نزل بكم في زرعكم. قال في الصحاح : وتفكّه : تعجّب ، ويقال : تندّم. قال الحسن وقتادة وغير هما : معنى الآية : تعجبون من ذهابها وتندمون ممّا حلّ بكم. وقال عكرمة : تلاومون وتندمون على ما سلف منكم من معصية الله. وقال أبو عمرو والكسائي : هو التلهف على ما فات. قرأ الجمهور : (فَظَلْتُمْ) بفتح الظاء مع لام واحدة. وقرأ أبو حيوة وأبو بكر في رواية عنه بكسر الظاء. وقرأ ابن عباس والجحدري «فظللتم» بلامين ، أولاهما مكسورة على الأصل ، وروي عن الجحدري فتحها ، وهي لغة. وقرأ الجمهور : (تَفَكَّهُونَ) وقرأ أبو حزام العكلي تفكّنون بالنون مكان الهاء ، أي : تندمون. قال ابن خالويه : تفكّه : تعجب. وتفكّن : تندم. وفي الصحاح : التفكن : التندم (إِنَّا لَمُغْرَمُونَ) قرأ الجمهور بهمزة واحدة على الخبر ، وقرأ أبو بكر والمفضل وزرّ بن حبيش بهمزتين على الاستفهام ، والجملة بتقدير القول ، أي : تقولون إنا لمغرمون ، أي : ملزمون غرما بما هلك من زرعنا ، والمغرم الّذي ذهب ماله بغير عوض ، قال الضحاك وابن كيسان. وقيل : إنا لمعذبون ، قال قتادة وغيره. وقال مجاهد وعكرمة : لمولع بنا ، ومنه قول النّمر بن تولب :
سلا عن تذكّره تكتما |
|
وكان رهينا بها مغرما |
يقال : أغرم فلان بفلانة ، أي : أولع. وقال مقاتل : مهلكون. قال النحاس : مأخوذ من الغرام ، وهو الهلاك ، ومنه قول الشاعر (١) :
يوم النّسار ويوم الجفا |
|
ركانا عليكم عذابا مقيما (٢) |
والظاهر من السياق المعنى الأول ، أي : إنا لمغرمون بذهاب ما حرثناه ومصيره حطاما ، ثم أضربوا عن قولهم هذا وانتقلوا ، فقالوا : (بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ) أي : حرمنا رزقنا بهلاك زرعنا ، والمحروم : الممنوع
__________________
(١). هو بشر بن أبي حازم.
(٢). في تفسير القرطبي. وكان عذابا وكان غراما.