في قوله : (وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ) قال : من دخان أسود ، وفي لفظ : من دخان جهنم. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (شُرْبَ الْهِيمِ) قال : الإبل العطاش.
(نَحْنُ خَلَقْناكُمْ فَلَوْ لا تُصَدِّقُونَ (٥٧) أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ (٥٨) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ (٥٩) نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (٦٠) عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ (٦١) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى فَلَوْ لا تَذَكَّرُونَ (٦٢) أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ (٦٣) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (٦٤) لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ حُطاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (٦٥) إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (٦٦) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (٦٧) أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (٦٨) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (٦٩) لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً فَلَوْ لا تَشْكُرُونَ (٧٠) أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (٧١) أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ (٧٢) نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً وَمَتاعاً لِلْمُقْوِينَ (٧٣) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (٧٤))
قوله : (نَحْنُ خَلَقْناكُمْ فَلَوْ لا تُصَدِّقُونَ) التفت سبحانه إلى خطاب الكفرة تبكيتا لهم وإلزاما للحجة ، أي : فهلا تصدّقون بالبعث أو بالخلق. قال مقاتل : خلقناكم ولم تكونوا شيئا وأنتم تعلمون ذلك فهلا تصدقون بالبعث؟ (أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ) أي : ما تقذفون وتصبّون في أرحام النساء من النطف ، ومعنى أفرأيتم : أخبروني ، ومفعولها الأول ما تمنون ، والثاني : الجملة الاستفهامية ، وهي (أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ) أي : تقدّرونه وتصوّرونه بشرا أم نحن المقدرون المصوّرون له ، و «أم» هي المتصلة ، وقيل : هي المنقطعة ، والأول أولى. قرأ الجمهور : (تُمْنُونَ) بضم الفوقية من أمنى يمني. وقرأ ابن عباس وأبو السّمّال ومحمد ابن السّميقع والأشهب العقيلي بفتحها من منى يمني ، وهما لغتان ، وقيل : معناهما مختلف ، يقال : أمنى إذا أنزل عن جماع ، ومنى إذا أنزل عن احتلام ، وسمي المنيّ منيا لأنه يمنى ، أي : يراق ، (نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ) قرأ الجمهور (قَدَّرْنا) بالتشديد ، وقرأ مجاهد وحميد وابن محيصن وابن كثير بالتخفيف ، وهما لغتان ، يقال : قدرت الشيء وقدّرته ، أي : قسمناه عليكم ووقّتناه لكل فرد من أفرادكم ، وقيل : قضينا ، وقيل : كتبنا ، والمعنى متقارب. قال مقاتل : فمنكم من يموت كبيرا ومنكم من يموت صغيرا. وقال الضّحّاك : معناه أنه جعل أهل السماء وأهل الأرض فيه سواء ، (وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ) بمغلوبين ، بل قادرين (عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ) أي : نأتي بخلق مثلكم. قال الزجاج : إن أردنا أن نخلق خلقا غيركم لم يسبقنا سابق ولا يفوتنا. قال ابن جرير : المعنى نحن قدّرنا بينكم الموت على أن نبدّل أمثالكم بعد موتكم بآخرين من جنسكم وما نحن بمسبوقين في آجالكم ، أي : لا يتقدّم متأخّر ولا يتأخر متقدّم (وَنُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ) من الصّور والهيئات. قال الحسن : أي نجعلكم قردة وخنازير كما فعلنا بأقوام قبلكم ، وقيل : المعنى : ننشئكم في البعث على غير صوركم في الدنيا. وقال سعيد بن المسيب : «فيما لا تعلمون» : يعني في حواصل طيور سود تكون ببرهوت كأنها الخطاطيف. وبرهوت واد باليمن. وقال مجاهد : (فِي ما لا تَعْلَمُونَ) يعني في أيّ خلق شئنا ، ومن كان قادرا على هذا فهو قادر على البعث (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ