من الرزق الّذي لا حظّ له فيه ، وهو المحارف. (أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ) فتسكنون به ما يلحقكم من العطش ، وتدفعون به ما ينزل بكم من الظمأ. واقتصر سبحانه على ذكر الشرب مع كثرة فوائد الماء ومنافعه ، لأنه أعظم فوائده وأجلّ منافعه (أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ) أي : السحاب : قال في الصحاح : قال أبو زيد : المزنة : السحابة البيضاء. والجمع مزن. والمزنة : المطرة. قال الشاعر (١) :
ألم تر أنّ الله أنزل مزنة |
|
وعفر الظّباء في الكناس تقمّع |
وممّا يدلّ على أنه السحاب قول الشاعر :
فنحن كماء المزن ما في نصابنا |
|
كهام ولا فينا يعدّ بخيل (٢) |
وقول الآخر :
فلا مزنة ودقت ودقها |
|
ولا أرض أبقل إبقالها |
(أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ) له بقدرتنا دون غيرنا ، فإذا عرفتم ذلك ، فكيف لا تقرّون بالتوحيد وتصدقون بالبعث. ثم بين لهم سبحانه أنه لو يشاء لسلبهم هذه النعمة فقال : (لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً) الأجاج : الماء الشديد الملوحة الّذي لا يمكن شربه ، وقال الحسن : هو الماء المرّ الّذي لا ينتفعون به في شرب ولا زرع ولا غير هما (فَلَوْ لا تَشْكُرُونَ) أي : فهلّا تشكرون نعمة الله الّذي خلق لكم ماء عذبا تشربون منه وتنتفعون به (أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ) أي : أخبروني عنها ، ومعنى تورون : تستخرجونها بالقدح من الشجر الرطب ، يقال : أوريت النار إذا قدحتها (أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها) التي يكون منها الزّناد ، وهي المرخ والعفار ، تقول العرب : في كل شجر نار ، واستمجد المرخ والعفار (أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ) لها بقدرتنا دونكم. ومعنى الإنشاء الخلق ، وعبّر عنه بالإنشاء للدلالة على ما في ذلك من بديع الصنعة وعجيب القدرة (نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً) أي : جعلنا هذه النار التي في الدنيا تذكرة لنار جهنم الكبرى. قال مجاهد وقتادة : تبصرة للناس في الظلام ، وقال عطاء : موعظة ليتّعظ به المؤمن (وَمَتاعاً لِلْمُقْوِينَ) أي : منفعة للذين ينزلون بالقواء ، وهي الأرض القفر كالمسافرين وأهل البوادي النازلين في الأراضي المقفرة ، يقال : أرض قواء بالمد والقصر ، أي : مقفرة ، ومنه قول النابغة :
يا دارمية بالعلياء فالسّند |
|
أقوت وطال عليها سالف الأمد |
وقال عنترة :
حيّيت من طلل تقادم عهده |
|
أقوى وأقفر بعد أمّ الهيثم |
__________________
(١). هو أوس بن حجر.
(٢). «نصاب» أصل. «كهام» : ثقيل ، لا غناء عنده.