بنفسي من تجنّبه عزيز |
|
عليّ ومن زيارته لمام |
وقول الآخر :
متى تأتنا تلمّم بنا في ديارنا |
|
تجد حطبا جزلا (١) ونارا تأجّجا |
قال الزجاج : أصل اللمم والإلمام ما يعمله الإنسان المرّة بعد المرّة ، ولا يتعمق فيه ، ولا يقيم عليه ، يقال : ألممت به ؛ إذا زرته وانصرفت عنه ، ويقال : ما فعلته إلا لمما وإلماما ، أي : الحين بعد الحين ، ومنه إلمام الخيال. قال الأعشى :
ألمّ خيال من قتيلة بعد ما |
|
هي حبلها من حبلنا فتصرّما |
قال في الصحاح : ألمّ الرجل من اللمم وهو صغائر الذنوب ، ويقال : هو مقاربة المعصية من غير مواقعة ، وأنشد غيره :
بزينب ألمم قبل أن يرحل الرّكب |
|
وقل إن تملّينا فما ملّك القلب |
وقد اختلفت أقوال أهل العلم في تفسير هذا اللمم المذكور في الآية ، فالجمهور على أنه صغائر الذنوب ، وقيل : هو ما كان دون الزنا من القبلة والغمزة والنظرة ، وقيل : هو الرجل يلم بذنب ثم يتوب ، وبه قال مجاهد والحسن والزهري وغيرهم ، ومنه :
إن تغفر اللهم تغفر جمّا |
|
وأيّ عبد لك لا ألمّا؟ |
اختار هذا القول الزجاج والنحاس. وقيل : هو ذنوب الجاهلية ، فإن الله لا يؤاخذ بها في الإسلام ، وقال نفطويه : هو أن يأتي بذنب لم يكن له بعبادة. قال : والعرب تقول : ما تأتينا إلا إلماما ، أي : في الحين بعد الحين. قال : ولا يكون أن يلمّ ولا يفعل ؛ لأن العرب لا تقول ألمّ بنا إلا إذا فعل ، لا إذا همّ ولم يفعل ، والراجح الأول ، وجملة : (إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ) تعليل لما تضمنه الاستثناء ، أي : إن ذلك وإن خرج عن حكم المؤاخذة فليس يخلو عن كونه ذنبا يفتقر إلى مغفرة الله ويحتاج إلى رحمته ، وقيل : إنه سبحانه يغفر لمن تاب عن ذنبه. ثم ذكر سبحانه إحاطة علمه بأحوال عباده فقال : (هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) أي : خلقكم منها في ضمن خلق أبيكم آدم. وقيل : المراد آدم فإنه خلقه من طين (وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ) أي : هو أعلم بأحوالكم وقت كونكم أجنّة ، والأجنّة : جمع جنين هو الولد ما دام في البطن ، سمّي بذلك لاجتنانه ، أي : استتاره ، ولهذا قال : (فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ) فلا يسمّى من خرج عن البطن جنينا ، والجملة مستأنفة لتقرير ما قبلها (فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ) أي لا تمدحوها ولا تبرئوها عن الآثام ولا تثنوا عليها ، فإن ترك تزكية النفس أبعد من الرياء وأقرب إلى الخشوع ، وجملة : (هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى) مستأنفة مقررة
__________________
(١). «الجزل» : الكثير العظيم.