مناة كانت بقديد. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس (ضِيزى) قال : جائرة ، لا حقّ لها.
(إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى (٢٧) وَما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً (٢٨) فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَياةَ الدُّنْيا (٢٩) ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى (٣٠) وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (٣١) الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى (٣٢) أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى (٣٣) وَأَعْطى قَلِيلاً وَأَكْدى (٣٤) أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرى (٣٥) أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ مُوسى (٣٦) وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى (٣٧) أَلاَّ تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى (٣٨) وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاَّ ما سَعى (٣٩) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى (٤٠) ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى (٤١) وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى (٤٢))
قوله : (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى) أي : أن هؤلاء الذين لا يؤمنون بالبعث وما بعده من الدار الآخرة ، وهم الكفار ، يضمّون إلى كفرهم مقالة شنعاء وجهالة جهلاء ، وهي أنهم يسمّون الملائكة المنزّهين عن كلّ نقص تسمية الأنثى ، وذلك أنهم زعموا أنها بنات الله ، فجعلوهم إناثا ، وسمّوهم بنات (وَما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ) جملة في محل نصب على الحال ، أي : يسمونهم هذه التسمية والحال أنهم غير عالمين بما يقولون ، فإنهم لم يعرفوهم ، ولا شاهدوهم ، ولا بلّغ إليهم ذلك من طريق من الطرق التي يخبر المخبرون عنها ، بل قالوا ذلك جهلا وضلالة وجرأة. وقرئ «ما لهم بها» أي : بالملائكة أو التسمية (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَ) أي : ما يتبعون في هذه المقالة إلا مجرّد الظنّ والتوهم. ثم أخبر سبحانه عن الظنّ وحكمه فقال : (وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) أي : إن جنس الظنّ لا يغني من الحق شيئا من الإغناء ، والحقّ هنا العلم. وفيه دليل على أن مجرّد الظن لا يقوم قيام العلم ، وأن الظانّ غير عالم. وهذا في الأمور التي يحتاج فيها إلى العلم وهي المسائل العلمية ، لا فيما يكتفى فيه بالظنّ ، وهي الحقائق العملية ، وقد قدّمنا تحقيق هذا. ولا بدّ من هذا التخصيص ، فإن دلالة العموم والقياس وخبر الواحد ونحو ذلك ظنية ، فالعمل بها عمل بالظن ، وقد وجب علينا العمل به في مثل هذه الأمور ، فكانت أدلة وجوبه العمل بما فيها مخصصة لهذا العموم ، وما ورد في معناه من الذمّ لمن عمل بالظنّ والنهي عن اتباعه (فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا) أي : أعرض عمّن أعرض عن ذكرنا ، والمراد بالذكر هنا القرآن ، أو ذكر الآخرة ، أو ذكر الله على العموم ، وقيل : المراد بالذكر هنا الإيمان ، والمعنى : اترك مجادلتهم فقد بلّغت إليهم ما أمرت به ، وليس عليك إلا البلاغ ، وهذا منسوخ بآية السيف (وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا) أي : لم يرد سواها ، ولا طلب غيرها ، بل قصر نظره عليها ؛ فإنه غير متأهّل للخير ، ولا مستحقّ للاعتناء بشأنه. ثم صغّر سبحانه شأنهم ، وحقّر أمرهم فقال : (ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ) أي : إن ذلك التولي وقصر الإرادة على الحياة الدنيا هو مبلغهم من العلم ، ليس لهم غيره ،