أي : وما نقصنا الآباء بإلحاق ذرّيتهم بهم من ثواب أعمالهم شيئا ، فضمير المفعول عائد إلى الذين آمنوا. وقيل : المعنى : وما نقصنا الذرية من أعمالهم لقصر أعمارهم ، والأول أولى ، وقد قدّمنا تحقيق معنى لاته وألاته في سورة الحجرات. وقرأ ابن هرمز (١) آلتناهم بالمدّ ، وهو لغة. قال في الصحاح : يقال : ما ألته من عمله شيئا ، أي : ما نقصه (كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ) رهين بمعنى مرهون ، والظاهر أنه عامّ ، وأن كل إنسان مرتهن بعمله ، فإن قام به على الوجه الّذي أمره الله به فكّه وإلا أهلكه. وقيل : هو بمعنى راهن ، كلّ امرئ بما كسب دائم ثابت. وقيل : هذا خاصّ بالكفار لقوله : ؛ (كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ـ إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ) (٢) ثم ذكر سبحانه ما أمدّهم به من الخير فقال : (وَأَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ) أي : زدناهم على ما كان لهم من النعيم بفاكهة متنوّعة ، ولحم من أنواع اللحمان مما تشتهيه أنفسهم ويستطيبونه (يَتَنازَعُونَ فِيها كَأْساً) أي : يتعاطون ويتناولون كأسا ، والكأس : إناء الخمر ، ويطلق على كل إناء مملوء من خمر أو غيره ، فإذا فرغ لم يسمّ كأسا (لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ) قال الزجاج : لا يجري بينهم ما يلغي ولا ما فيه إثم يجري بين من يشرب الخمر في الدنيا ، والتأثيم : تفعيل من الإثم ، والضمير في (فِيها) راجع إلى الكأس ، وقيل : (لا لَغْوٌ فِيها) أي : في الجنة ولا يجري فيها ما فيها إثم ، والأوّل أولى. قال ابن قتيبة : لا تذهب بعقولهم فيلغوا كما يكون من خمر الدنيا ، ولا يكون منهم ما يؤثمهم. وقال الضحاك : (لا تَأْثِيمٌ) أي : لا كذب. قرأ الجمهور : (لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ) بالرفع والتنوين فيهما. وقرأ ابن كثير وابن محيصن بفتحهما من غير تنوين. قال قتادة : اللغو : الباطل. وقال مقاتل بن حيان : لا فضول فيها. وقال سعيد ابن المسيب : لا رفث فيها. وقال ابن زيد : لا سباب ولا تخاصم فيها. والجملة في محل نصب على الحال صفة لكأسا (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمانٌ لَهُمْ) أي : يطوف عليهم بالكأس والفواكه والطعام وغير ذلك مماليك لهم ، وقيل : أولادهم (كَأَنَّهُمْ) في الحسن والبهاء (لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ) أي : مستور مصون في الصّدف لم تمسّه الأيدي. قال الكسائي : كننت الشيء : سترته وصنته من الشمس ، وأكننته : جعلته في الكنّ ، ومنه : كننت الجارية ، وأكننتها ، فهي مكنونة (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) أي : يسأل بعضهم بعضا في الجنة عن حاله ، وما كان فيه من تعب الدنيا وخوف العاقبة ، فيحمدون الله الّذي أذهب عنهم الحزن والخوف والهمّ ، وما كانوا فيه من الكدّ والنكد بطلب المعاش وتحصيل ما لا بدّ منه من الرزق. وقيل : يقول بعضهم لبعض : بم صرتم في هذه المنزلة الرفيعة؟ وقيل : إن التساؤل بينهم عند البعث من القبور. والأوّل أولى لدلالة السياق على أنهم قد صاروا في الجنة ، وجملة (قالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ) مستأنفة جواب سؤال مقدّر ، كأنه قيل : ماذا قال بعضهم لبعض عند التساؤل؟ فقيل : قالوا إنّا كنّا قبل ، أي : قبل الآخرة ، وذلك في الدنيا في أهلنا خائفين وجلين من عذاب الله ، أو كنا خائفين من عصيان الله (فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنا) بالمغفرة والرحمة أو بالتوفيق لطاعته (وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ) يعني عذاب جهنم ، والسّموم من أسماء جهنم ، كذا قال
__________________
(١). في تفسير القرطبي (١٧ / ٦٧) : أبو هريرة.
(٢). المدثر : ٣٨ ـ ٣٩.