قال ابن كثير ما ملخصه : قال ابن عباس وغيره : المراد بالبر هاهنا ، الفيافي. وبالبحر : الأمصار والقرى ، ما كان منها على جانب نهر.
وقال آخرون : بل المراد بالبر هو البر المعروف. وبالبحر : البحر المعروف.
والقول الأول أظهر ، وعليه الأكثر ، ويؤيده ما ذكره ابن إسحاق في السيرة : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم صالح ملك أيلة ، وكتب له ببحره ـ يعنى ببلده ـ (١).
والمعنى : ظهر الفساد في البر والبحر ، ومن مظاهر ذلك انتشار الشرك والظلم ، والقتل وسفك الدماء ، والأحقاد والعدوان ، ونقص البركة في الزروع والثمار والمطاعم والمشارب ، وغير ذلك مما هو مفسدة وليس بمنفعة ..
قال ابن كثير ـ رحمهالله ـ : وقال أبو العالية : من عصى الله في الأرض فقد أفسد فيها ، لأن صلاح الأرض والسماء بالطاعة ، ولهذا جاء في الحديث الذي رواه أبو داود : «الحد يقام في الأرض ، أحب إلى أهلها من أن يمطروا أربعين صباحا».
والسبب في هذا أن الحدود إذا أقيمت ، انكف الناس ، أو أكثرهم ، أو كثير منهم ، عن تعاطى المحرمات. وإذا ارتكبت المعاصي كان سببا في محق البركات .. وكلما أقيم العدل كثرت البركات والخيرات. وقد ثبت في الحديث الصحيح : «إن الفاجر إذا مات تستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب» (٢).
وقوله ـ تعالى ـ : (بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ) .. بيان لسبب ظهور الفساد. أى : عم الفساد وطم في البر والبحر ، بسبب اقتراف الناس للمعاصي. وانهماكهم في الشهوات ، وتفلتهم من كل ما أمرهم الله ـ تعالى ـ به ، أو نهاهم عنه. كما قال ـ تعالى ـ : (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ).
فظهور الفساد وانتشاره ، لا يتم عبثا أو اعتباطا ، وإنما يتم بسبب إعراض الناس عن طاعة الله ـ تعالى ـ ، وارتكابهم للمعاصي ...
ثم بين ـ سبحانه ـ ما ترتب على الوقوع في المعاصي من بلاء واختبار ، فقال : (لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ).
واللام في «ليذيقهم» للتعليل وهي متعلقة بظهر. أى : ظهر الفساد ... ليذيق ـ سبحانه ـ الناس نتائج بعض أعمالهم السيئة ، كي يرجعوا عن غيهم وفسقهم ، ويعودوا إلى الطاعة والتوبة.
__________________
(١ و ٢) تفسير ابن كثير ج ٦ ص ٣٢٦.