ومنهم من يرى العكس. أى : أن الكلم الطيب هو الذي يرفع العمل الصالح.
قال الشوكانى ما ملخصه : ومعنى : (وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) أن العمل الصالح يرفع الكلم الطيب. كما قال الحسن وغيره. ووجهه أنه لا يقبل الكلم الطيب إلا من العمل الصالح وقيل : إن فاعل (يَرْفَعُهُ) هو الكلم الطيب ، ومفعوله العمل الصالح. ووجهه أن العمل الصالح لا يقبل إلا مع التوحيد والإيمان وقيل : إن فاعل (يَرْفَعُهُ) ضمير يعود إلى الله ـ تعالى ـ.
والمعنى : أن الله ـ تعالى ـ يرفع العمل الصالح على الكلم الطيب ، لأن العمل يحقق الكلام. وقيل : والعمل الصالح هو الذي يرفع صاحبه. (١).
ويبدو لنا أن أرجح هذه الأقوال ، أن يكون الفاعل لقوله (يَرْفَعُهُ) هو الله ـ تعالى ـ ، وأن الضمير المنصوب عائد إلى العمل الصالح لأن الله ـ تعالى ـ هو الذي يقبل الأقوال الطيبة ، وهو ـ سبحانه ـ الذي يرفع الأعمال الصالحة ويقبلها عنده من عباده المؤمنين.
ثم بين ـ تعالى ـ بعد ذلك سوء عاقبة الذين يمكرون السوء فقال : (وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ ، وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ).
والمكر : التدبير المحكم. أو صرف غيرك عما يريده بحيلة. وهو مذموم إن تحرى به صاحبه الشر والسوء ـ كما في الآية الكريمة ، ومحمود إن تحرى به صاحبه الخير والنفع و (السَّيِّئاتِ) جمع سيئة وهي صفة لموصوف محذوف.
وقوله (يَبُورُ) أى : يبطل ويفسد ، من البوار : يقال : بار المتاع بوارا إذا كسد وصار في حكم الهالك.
أى : والذين يمكرون المكرات السيئات من المشركين والمنافقين وأشباههم ، لهم عذاب شديد من الله ـ تعالى ـ ، ومكر أولئك الماكرين المفسدين ، مصيره إلى الفساد والخسران ، لأن المكر السيئ لا يحيق إلا بأهله.
ويدخل في هذا المكر السيئ ما فعله المشركون مع الرسول صلىاللهعليهوسلم في دار الندوة ، حيث بيتوا قتله ، ولكن الله ـ تعالى ـ نجاه من شرورهم ، كما دخل فيه غير ذلك من أقوالهم القبيحة ، وأفعالهم الذميمة ، ونياتهم الخبيثة.
ثم ساق ـ سبحانه ـ بعد ذلك دليلا آخر على صحة البعث والنشور ، وعلى كمال قدرته ـ تعالى ـ فقال : (وَاللهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ) أى : خلقكم ابتداء في ضمن خلق أبيكم آدم
__________________
(١) تفسير فتح القدير للشوكانى ج ٤ ص ٣٤٠.