ولذا لجأ لوط ـ عليهالسلام ـ إلى ربه ، يلتمس منه النصرة والعون فقال : (رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ) ، أى : انصرني بأن تنزل عذابك على هؤلاء القوم المفسدين ، الذين مردوا على ارتكاب فواحش ، لم يسبقهم بها من أحد من العالمين.
وأجاب الله ـ تعالى ـ دعاء نبيه لوط ـ عليهالسلام ـ ، وأرسل ـ سبحانه ـ ملائكته لنبيه إبراهيم ليبشروه بابنه إسحاق. قبل أن ينفذوا عذاب الله في قوم لوط ، قال ـ تعالى ـ :
(وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ) أى : وحين جاء الملائكة إلى إبراهيم ليبشروه بابنه إسحاق : قالوا له : يا إبراهيم ، إنا مرسلون من ربك لإهلاك أهل هذه القرية وهي قرية سدوم التي يسكنها قوم لوط ، والسبب في ذلك (إِنَّ أَهْلَها كانُوا ظالِمِينَ) ، حيث أتوا بفاحشة لم يسبقهم إليها أحد ، وقطعوا الطريق على الناس ، واقترفوا في مجالسهم المنكرات.
وهنا قال لهم إبراهيم ـ عليهالسلام ـ بخشيته وشفقته : (إِنَّ فِيها لُوطاً) أى : إن في هذه القرية التي جئتم لإهلاكها لوطا ، وهو نبي من أنبياء الله الصالحين فكيف تهلكونها وهو معهم فيها؟ وهنا رد عليه الملائكة بما يزيل خشيته فقالوا : (نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها) من الأخيار ومن الأشرار ، ومن المؤمنين ومن الكافرين.
(لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ) أى : اطمئن يا إبراهيم فإن الله ـ تعالى ـ قد أمرنا أن ننجي لوطا وأن ننجي معه من الهلاك أهله المؤمنين ، إلا امرأته فستبقى مع المهلكين ، لأنها منهم ، بسبب خيانتها للوط ـ عليهالسلام ـ حيث كانت تقر جرائم قومها ، ولا تعمل على إزالتها وإنكارها ، كما هو شأن الزوجات الصالحات.
والغابر : الباقي. يقال : غبر الشيء يغبر غبورا ، أى : بقي ، وقد يستعمل فيما مضى ـ أيضا ـ فيكون من الأضداد. ومنه قولهم : هذا الشيء حدث في الزمن الغابر. أى : الماضي.
ثم بين ـ سبحانه ـ حال لوط ـ عليهالسلام ـ بعد أن وصل إليه الملائكة لينفذوا قضاء الله ـ تعالى ـ في قومه ، فقال ـ عزوجل ـ : (وَلَمَّا أَنْ جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ. وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً).
و «أن» هنا مزيدة لتأكيد المجيء. و «سىء بهم» أى : اعترته المساءة والأحزان بسبب مجيئهم ، لخوفه من اعتداء قومه عليهم.