البالغة أقصى دركات القبح والفحش ، والتي ما فعلها أحد قبلكم ، بل أنتم أول من ابتدعها ، وهي إتيان الذكور دون الإناث.
قال عمر بن دينار : ما نزا ذكر على ذكر حتى كان قوم لوط.
وقال الوليد بن عبد الملك : لو لا أن الله ـ تعالى ـ قد قص علينا خبر قوم لوط ، ما ظننت أن ذكرا يعلو ذكرا.
وجاء قوله ـ عليهالسلام ـ مؤكدا بجملة من المؤكدات ، لتسجيل هذه الفاحشة عليهم بأقوى أسلوب ، وبأنهم لم يسبقهم أحد إلى ارتكابها.
وقوله ـ سبحانه ـ : (أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ ، وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ ، وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ.) .. بيان لتلك الفاحشة التي كانوا يقترفونها ، والاستفهام للتأنيب والتقريع.
والسبيل : الطريق. والنادي : اسم جنس للمكان الذي يجتمع فيه الناس لأمر من الأمور ، أى : أإنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء ، وتقطعون الطريق على المارة ، بأن تنتهبوا أموالهم ، أو بأن تكرهوهم إكراها على ارتكاب الفاحشة معهم ، أو بأن تعتدوا عليهم بأى صورة من الصور ، وفضلا عن كل ذلك فإنكم ترتكبون المنكرات في مجالسكم الخاصة ، وفي نواديكم التي تتلاقون فيها.
فأنت ترى أن نبيهم ـ عليهالسلام ـ قد وصفهم بأوصاف ، كل صفة أقبح من سابقتها ، والباعث لهم على ارتكاب تلك المنكرات ، هو انتكاس فطرتهم ، وفساد نفوسهم ، وشذوذ شهواتهم.
فماذا كان جوابهم على نبيهم ـ عليهالسلام ـ؟ لقد كان جوابهم في غاية التبجح والسفاهة ، وقد حكاه القرآن في قوله : (فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتِنا بِعَذابِ اللهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ).
أى : فما كان جواب قوم لوط عليه ، إلا أن قالوا له على سبيل الاستخفاف بوعظه وزجره : ائتنا يا لوط بعذاب الله الذي تتوعدنا به ، إن كنت صادقا في دعواك أنك رسول ، وفي دعواك أن عذابا سينزل علينا ، بسبب أفعالنا هذه التي ألفناها وأحببناها.
وهكذا نرى أن هؤلاء المجرمين ، قد قابلوا نصح نبيهم تارة بالاستخفاف والاستهزاء كما هنا ، وتارة بالتهديد والوعيد ، كما في قوله ـ تعالى ـ : (أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ) (١).
__________________
(١) سورة النمل. الآية ٥٦.