وإلى هنا يتضح لنا أن المقصود بالإحلال في الآية الكريمة : الإذن العام والتوسعة عليه صلىاللهعليهوسلم في الزواج من هذه الأصناف ، والإباحة له في أن يختار منهن من تقتضي الحكمة الزواج منها ، واختصاصه صلىاللهعليهوسلم بأمور تتعلق بالنكاح ، لا تحل لأحد سواه.
ولهذا قال ـ سبحانه ـ بعد ذلك : (قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ) .. فإن هذه الجملة الكريمة معترضة ومقررة لمضمون ما قبلها ، من اختصاصه صلىاللهعليهوسلم بأمور في النكاح لا تحل لغيره ، كحل زواجه ممن تهبه نفسها بدون مهر ، إن قبل ذلك العرض منها.
أى : هذا الذي أحللناه لك ـ أيها الرسول الكريم ـ هو خاص بك ، أما بالنسبة لغيرك من المؤمنين فقد علمنا ما فرضناه عليهم في حق أزواجهم من شرائط العقد وحقوقه ، فلا يجوز لهم الإخلال بها ، كما لا يجوز لهم الاقتداء بك فيما خصك الله ـ تعالى ـ به ، على سبيل التوسعة عليك ، والتكريم لك ، فهم لا يجوز لهم التزوج إلا بعقد وشهود ومهر ، كما لا يجوز لهم أن يجمعوا بين أكثر من أربع نسوة.
وعلمنا ـ أيضا ـ ما فرضناه عليهم بالنسبة لما ملكت أيمانهم ، من كونهن ممن يجوز سبيه وحربه ، لا ممن لا يجوز سبيه ، أو كان له عهد مع المسلمين.
وقوله : (لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ) متعلق بقوله : (أَحْلَلْنا) وهو راجع إلى جميع ما ذكر ، فيكون المعنى :
أحللنا من آتيت أجورهن من النساء ، والمملوكات ، والأقارب ، والواهبة نفسها لك ، لندفع عنك الضيق والحرج ، ولتتفرغ لتبليغ ما أمرناك بتبليغه.
وقيل : إنه متعلق بخالصة ، أو بعاملها ، فيكون المعنى : خصصناك بنكاح من وهبت نفسها لك بدون مهر ، لكي لا يكون عليك حرج في البحث عنه.
ويرى بعضهم أنه متعلق بمحذوف ، أى : بينا لك ما بينا من أحكام خاصة بك ، حتى تخرج من الحرج ، وحتى يكون منا تفعله هو بوحي منا وليس من عند نفسك.
ثم ختم ـ سبحانه ـ الآية بقوله : (وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) أى : وكان الله ـ تعالى ـ وما زال واسع المغفرة والرحمة لعباده المؤمنين.
وقوله ـ عزوجل ـ (تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ) شروع في بيان جانب آخر من التوسعة التي وسعها ـ سبحانه ـ لنبيه صلىاللهعليهوسلم في معاشرته لنسائه ، بعد بيان ما أحله له من النساء.