ثم بين ـ سبحانه ـ نوعا رابعا من النساء ، أحله لنبيه صلىاللهعليهوسلم فقال : (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ ، إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ).
والجملة الكريمة معطوفة على مفعول (أَحْلَلْنا).
وقد اشتملت هذه الجملة على شرطين ، الثاني منهما قيد للأول ، لأن هبتها نفسها له صلىاللهعليهوسلم لا توجب حلها له إلا بقبوله الزواج منها.
وقوله (يَسْتَنْكِحَها) بمعنى ينكحها. يقال : نكح واستنكح ، بمعنى عجل واستعجل : ويجوز أن يكون بمعنى طلب النكاح.
وقوله : (خالِصَةً) منصوب على الحال من فاعل (وَهَبَتْ) أى : حال كونها خالصة لك دون غيرك. أو نعت لمصدر مقدر. أى : هبة خالصة ..
والمعنى وأحللنا لك كذلك امرأة مؤمنة ، إن ملكتك نفسها بدون مهر وإن أنت قبلت ذلك عن طيب خاطر منك ، وهذا الإحلال إنما هو خاص بك دون غيرك من المؤمنين ، لأن غيرك من المؤمنين لا تحل لهم من وهبت نفسها لواحد منهم إلا بولي ومهر.
وقد ذكروا ممن وهبن أنفسهن له صلىاللهعليهوسلم خولة بنت حكيم ، وأم شريك بنت جابر ، وليلى بنت الحطيم ..
وقد اختلف العلماء في كونه صلىاللهعليهوسلم قد تزوج بواحدة من هؤلاء الواهبات أنفسهن له أم لا.
والأرجح أنه صلىاللهعليهوسلم لم يتزوج بواحدة منهن ، وإنما زوجهن لغيره. ويشهد لذلك ما رواه الشيخان عن سهل بن سعد الساعدي ، أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم جاءته امرأة فقالت : يا رسول الله ، إنى قد وهبت نفسي لك. فقامت قياما طويلا ، فقام رجل فقال : يا رسول الله ، زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : هل عندك من شيء تصدقها إياه؟ فقال : ما عندي إلا إزارى هذا. فقال صلىاللهعليهوسلم : إن أعطيتها إزارك جلست لا إزار لك ، فالتمس شيئا. فقال : لا أجد شيئا. فقال : التمس ولو خاتما من حديد ، فقام الرجل فلم يجد شيئا. فقال له النبي صلىاللهعليهوسلم : هل معك من القرآن شيء؟ قال نعم. سورة كذا وسورة كذا ـ لسور يسميها ـ فقال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : زوجتكها بما معك من القرآن (١).
__________________
(١) صحيح البخاري «كتاب النكاح» ج ٧ ص ١٧.