الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً (٣٨) الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ اللهَ وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً (٣٩) ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً)(٤٠)
ذكر المفسرون في سبب نزول قوله ـ تعالى ـ : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ) روايات منها : أنها نزلت في زينب بنت جحش ـ رضى الله عنها ـ خطبها رسول الله صلىاللهعليهوسلم لزيد ابن حارثة فاستنكفت ، وقالت : أنا خير منه حسبا ، فأنزل الله ـ تعالى ـ هذه الآية.
وفي رواية أنها قالت : يا رسول الله ، لست بناكحته ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «بل فانكحيه» فقالت : يا رسول الله ، أؤامر في نفسي؟ فبينما هما يتحادثان ، أنزل الله ـ تعالى ـ هذه الآية. فقالت : يا رسول الله ، قد رضيته لي زوجا؟ قال : نعم. قالت : إذا لا أعصى رسول الله صلىاللهعليهوسلم قد زوجته نفسي.
وذكر بعضهم أنها نزلت في أم كلثوم بنت عقبة بن أبى معيط ، وكانت أول من هاجر من النساء .. يعنى بعد صلح الحديبية ، فوهبت نفسها للنبي صلىاللهعليهوسلم ، فزوجها من مولاه زيد بن حارثة ، بعد فراقه لزينب فسخطت هي وأخوها وقالا : إنما أردنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فزوجنا عبده ، فنزلت الآية بسبب ذلك ، فأجابا إلى تزويج زيد (١).
قال ابن كثير : هذه الآية عامة في جميع الأمور. وذلك أنه إذا حكم الله ورسوله بشيء ، فليس لأحد مخالفته ، ولا اختيار لأحد هاهنا ولا رأى ولا قول ، كما قال ـ تعالى ـ : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ، ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً).
وفي الحديث الشريف : «والذي نفسي بيده ، لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به».
والمعنى : لا يصح ولا يحل لأى مؤمن ولا لأية مؤمنة (إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ) أى : إذا أراد الله ورسوله أمرا ، من الأمور.
__________________
(١) راجع تفسير القرطبي ج ١٤ ص ١٨٦. وتفسير ابن كثير ج ٦ ص ٤١٧.