الدنيا تتقلب من شكلٍ إلى آخر ، وبذلك قد يكون أثرى الناس وأكثرهم مالاً في يوم آخر من أفقر الناس ، ويتبدل حال الفقير كذلك بين عشية وضحاها ليكون من أغنى الناس ، إذاً فلا داعي إلى الفخر والمباهات والغرور بهذه الثروات المتنقلة لانها لا تحل مشكلة حقيقية للإنسان في واقعه النفسي.
والملاحظة المهمة الاخرى هي دعوة هؤلاء البخلاء الآخرين لسلوك طريق البخل أيضاً ليصبح الناس كلّهم مثلهم ، فلا يفتضح أمرهم ولا يعيب عليهم الناس حالة الشح والبخل فيهم ، مضافاً إلى أنّ مثل هؤلاء الأشخاص قد سحقوا العواطف الإنسانية تحت أقدامهم فهم يعيشون قساوة القلب وعدم الاحساس بالرحمة والعطف تجاه الآخرين ، لذلك فإنّهم يتألمون عند ما يرون سخاء الآخرين وترحمهم وعطفهم على الفقراء والمحتاجين ويودون أنّهم لو كانوا مثلهم في البخل.
وفي هذا الصدد يقول الإمام الصادق عليهالسلام : «إن أمير المؤمنين عليهالسلام بعث إلى رجل بخمسة أوساق من تمر المعيقة ، وكان الرجل ممن يرجو نوافله ويؤمل نائله ورفده وكان لا يسأل علياً عليهالسلام ولا غيره ، فقال رجل لأمير المؤمنين عليهالسلام : والله ما سألك فلان ولقد كان يجزيه من الخمسة أوساق وسق واحد ، فقال له أمير المؤمنين عليهالسلام : لاكثّر الله في المؤمنين ضربك اعطي أنا وتبخل أنت ، لله أنت ، إذا أنا لم اعط الّذي يرجوني إلّا بعد المسألة ثمّ أعطيته بعد المسألة فلم أعطه إلّا ثمن ما أخذت منه ، وذلك لأني عرضته أن يبذل لي وجهه الّذي يعفّره في التراب لربي وربّه ...» (١).
«الآية السادسة» وضمن الإشارة إلى العقوبة الشديدة والعذاب الاليم الّذي ينتظر البخلاء تقول (وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى * وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إِذا تَرَدَّى)(٢).
__________________
١ ـ وسائل الشيعة ، ج ٦ ، ص ٣١٨.
٢ ـ سورة الليل ، الآية ٨ ـ ١٠.