ومن التعبير أعلاه يستفاد بوضوح أنّ التعبير بكلمة «الطوق» هو في الواقع من قبيل تجسم الأعمال التي يسلكها الإنسان ويعملها في الدنيا. لأن «الطوق» لا يبتعد ولا ينفصل عن الإنسان بأية حال ، وعلى كلّ حال فإنّ التعبيرات المختلفة للآية كلّها تحكي عن قبح «البخل» وحسن «الانفاق» في سبيل الله والسخاء في المال وسائر المواهب الإلهية على الإنسان.
والملفت للنظر أنّ أموال «البخلاء» لا تطوق الإنسان البخيل يوم القيامة فحسب ، بل في الدنيا أيضاً تكون بمثابة القيود الّتي تثقل كاهل الشخص بسبب الاهتمام بحفظها وحسابها والخوف من نقصانها او تلفها وأمثال ذلك حيث يتلف الإنسان السنوات العزيزة من عمره من أجلها ، ثمّ يضطر إلى تركها والتوجه للحياة الاخرى محملاً بالمسؤولية بسببها.
«الآية الخامسة» تتحدّث عن الأشخاص الّذين لا يعيشون البخل لوحدهم فقط وإنّما يدعون الناس إلى البخل أيضاً ، وتبين حالهم من موقع الذمّ والتقبيح وأنّهم مصداق عنوان «مختالٍ فخور» ، وقد صرَّح القرآن الكريم في عدّة مواضع أنّ الله تعالى لا يحب من كان مختالاً فخوراً ، ويقول الله تعالى أيضاً بالنسبة إلى هذه الطائفة من الناس (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً)(١).
ومن البديهي أنّ الله تعالى لا يحبّ الشخص الّذي يعيش التضاد المطلق مع صفاته الحسنى وأسماء الجلال والجمال لله تعالى ، وبالتالي فإنّ مثل هذا الإنسان يخرج من دائرة سُبل عنايات الله الخاصّة.
والملفت للنظر هو أنّ الآيات الّتي سبقت هذه الآية تشير إلى ما يصيب الإنسان من المصائب والبلايا وأن لا يتعلق الإنسان بهذه الحياة ولا يغتر بما لديه من امكانات مادية وقابليات دنيوية ، وليعلم أنّ «البخل» لا يجديه شيئاً في عملية الثراء والغنى بل إنّ الحياة
__________________
١ ـ سورة النساء ، الآية ٣٧.