البشر من الخوارق من قبيل السحر. وعنوا بالسحر. هنا القرآن الكريم ، ففي ذلك إنكار لحقيته على أبلغ وجه ، قاتلهم الله ـ تعالى ـ : أنّى يؤفكون. وإنما أسروا ذلك ، لأنه كان على طريق توثيق العهد ، وترتيب مبادئ الشر والفساد وتمهيد مقدمات المكر والكيد في هدم أمر النبوة. وإطفاء نور الدين ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره المشركون (١).
هذا ، ودعوى المشركين أن الرسول لا يكون بشرا ، قد حكاها القرآن في كثير من آياته ، ومن ذلك قوله ـ تعالى ـ : (وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى ، إِلَّا أَنْ قالُوا أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رَسُولاً) (٢).
وقد رد الله ـ تعالى ـ عليهم هذه الدعوى الكاذبة في كثير من آيات كتابه ـ أيضا ، ومن ذلك قوله عزوجل ـ : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى ..) (٣).
ثم حكى ـ سبحانه ـ بعد ذلك ما لقنه لنبيه صلىاللهعليهوسلم من الرد عليهم ، فقال : (قالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).
أى : قال الرسول صلىاللهعليهوسلم في الرد على ما تناجوا به سرا : ربي الذي أرسلنى لإخراجكم من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان. يعلم ما تقولونه سواء كان سرا أم جهرا ، وسواء أكان القائل موجودا في السماء أم في الأرض ، وهو وحده السميع لجميع ما يسمع ، العليم بكل شيء في هذا الكون.
وما دام الأمر كذلك فأنا سأمضى في طريقي مبلغا رسالته ـ سبحانه ـ ، أما أنتم فسترون سوء عاقبتكم إذا ما سرتم في طريق الكفر والعناد.
وفي قراءة سبعية بلفظ قل على الأمر للنبي صلىاللهعليهوسلم.
أى : قل لهم ـ أيها الرسول الكريم ـ ربي يعلم القول في السماء والأرض وهو السميع العليم.
وقوله ـ تعالى ـ : (بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ ، بَلِ افْتَراهُ ، بَلْ هُوَ شاعِرٌ) إضراب من جهته ـ تعالى ـ ، وانتقال من حكاية قولهم السابق (هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ..) إلى حكاية أقوال أخرى باطلة قالوها في شأنه صلىاللهعليهوسلم وفي شأن ما جاء به.
أى : أن هؤلاء الكافرين لم يكتفوا بما قالوه قبل ذلك في شأن الرسول صلىاللهعليهوسلم من أنه
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٧ ص ٩.
(٢) سورة الإسراء الآية ٩٤.
(٣) سورة يوسف الآية ١٠٩.