والفاء هنا متفرعة على ما سبق تأكيده في قوله (وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ ...) إذ في هذا اليوم يكون سؤالهم.
والواو للقسم ، أى : فوحق ربك ـ أيها الرسول الكريم ـ الذي خلقك فسواك فعدلك ، لنسألن هؤلاء المكذبين جميعا ، سؤال توبيخ وتقريع وتبكيت ، عما كانوا يعملونه في الدنيا من أعمال قبيحة : وعما كانوا يقولونه من أقوال فاسدة ، ثم لننزلن بهم جميعا العقوبة المناسبة لهم.
فالمقصود من هذه الآية الكريمة زيادة التسلية للرسول صلىاللهعليهوسلم وتأكيد التهديد للمشركين.
ثم أمر ـ سبحانه ـ رسوله صلىاللهعليهوسلم بأن يمضى في طريقه ، وأن يجهر بدعوته وأن يعرض عن المشركين ، فقد كفاه ـ سبحانه ـ شرهم فقال ـ تعالى ـ : (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ. إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ. الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ).
وقوله (فَاصْدَعْ ..) من الصدع بمعنى الإظهار والإعلان. ومنه قولهم : انصدع الصبح ، إذا ظهر بعد ظلام الليل والصديع الفجر لانصداعه أى ظهوره. ويقال : صدع فلان بحجته ، إذا تكلم بها جهارا.
أى : فاجهر ـ أيها الرسول الكريم ـ بدعوتك ، وبلغ ما أمرناك بتبليغه علانية ، وأعرض عن سفاهات المشركين وسوء أدبهم.
قال عبد الله بن مسعود : ما زال النبي صلىاللهعليهوسلم مستخفيا بدعوته حتى نزلت هذه الآية. فخرج هو وأصحابه ، وقوله (إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) تعليل للأمر بالجهر بالدعوة ، بعد أن مكث صلىاللهعليهوسلم يدعو الناس إلى الإسلام سرا ثلاث سنين أو أكثر.
وقوله (كَفَيْناكَ ..) من الكفاية. تقول : كفيت فلانا المؤنة إذا توليتها عنه ، ولم تحوجه إليها. وتقول : كفيتك عدوك أى : كفيتك بأسه وشره.
والمراد بالمستهزئين : أكابر المشركين في الكفر والعداوة والاستهزاء بالرسول صلىاللهعليهوسلم أى : إنا كفيناك الانتقام من المستهزئين بك وبدعوتك ، وأرحناك منهم ، بإهلاكهم. وذكر بعضهم أن المراد بهم خمسة من كبرائهم ، وهم : الوليد بن المغيرة ، والأسود بن عبد يغوث ، والأسود بن المطلب ، والحارث بن عيطل ، والعاص بن وائل : وقد أهلكهم الله جميعا بمكة ، وكان هلاكهم العجيب من أهم الصوارف لأتباعهم عن الاستهزاء بالنبي صلىاللهعليهوسلم.
قال الإمام الرازي : واعلم أن المفسرين قد اختلفوا في عدد هؤلاء المستهزئين ، وفي أسمائهم ، وفي كيفية طريق استهزائهم ، ولا حاجة إلى شيء منها.