أى : لا تحزن ـ أيها الرسول الكريم ـ على مصير الكافرين ، وتواضع لأتباعك المؤمنين ، وقل للناس جميعا ما قاله كل نبي قبلك لقومه : إنى أنا المنذر لكم من عذاب الله إذا ما بقيتم على كفركم ، الموضح لكم كل ما يخفى عليكم.
فالنذير هنا بمعنى المنذر ، والمبين بمعنى الكاشف والموضح.
وفي الصحيحين عن أبى موسى الأشعرى عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «إنما مثلي ومثل ما بعثني الله به ، كمثل رجل أتى قومه فقال : يا قوم ، إنى رأيت الجيش بعيني ، وإنى أنا النذير العريان ، فالنجاء النجاء ، فأطاعه طائفة من قومه فأدلجوا ، وانطلقوا على مهلهم فنجوا. وكذبه طائفة منهم فأصبحوا مكانهم ، فصبحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم ، فذلك مثل من أطاعنى واتبع ما جئت به ، ومثل من عصاني وكذب ما جئت به من الحق» (١).
ثم هدد ـ سبحانه ـ الذين يحاربون دعوة الحق ، ويصفون القرآن بأوصاف لا تليق به فقال ـ تعالى ـ : (كَما أَنْزَلْنا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ. الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ) ..
والكاف في قوله (كَما) للتشبيه ، وما موصوله أو مصدرية وهي المشبه به أما المشبه فهو الإيتاء المأخوذ من قوله ـ تعالى ـ (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي).
ولفظ «المقتسمين» افتعال من القسم بمعنى تجزئة الشيء وجعله أقساما ..
والمراد بهم بعض طوائف أهل الكتاب ، الذين آمنوا ببعضه وكفروا بالبعض الآخر.
أو المراد بهم ـ كما قال ابن كثير : «المقتسمين» أى المتحالفين ، أى الذين تحالفوا على مخالفة الأنبياء وتكذيبهم وأذاهم ...» (٢).
ولفظ «عضين» جمع عضة ـ بزنة عزة ـ ، وهي الجزء والقطعة من الشيء. تقول : عضيت الشيء تعضية ، أى : فرقته وجعلته أجزاء كل فرقة عضة.
قال القرطبي ما ملخصه : وواحد العضين عضة ، من عضيت الشيء تعضية أى فرقته ، وكل فرقة عضة. قال الشاعر : وليس دين الله بالمعضى. أى : بالمفرق.
__________________
(١) صحيح البخاري : كتاب الاعتصام ، باب الاقتداء بسنن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ـ ج ٩ ص ١١٥ وصحيح مسلم كتاب الفضائل ج ٧ ص ٦٣.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٤ ص ٦٦.