جواب عن السؤال الذي اشتملت عليه الآية السابقة وهي : (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ ..).
فكأنه قيل : نبئنا عن هؤلاء الأخسرين أعمالا؟
فكان الجواب : هم (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ) أى بطل وضاع بالكلية سعيهم وعملهم في هذه الحياة الدنيا بسبب إصرارهم على كفرهم وشركهم ، فالجملة الكريمة خبر لمبتدأ محذوف.
وقوله (وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً) أى : والحال أنهم يظنون أنهم يقدمون الأعمال الحسنة التي تنفعهم.
فالجملة الكريمة حال من فاعل (ضَلَ) أى : ضل وبطل سعيهم ، والحال أنهم يظنون العكس. كما قال ـ تعالى ـ : (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً).
وهذا هو الجهل المركب بعينه ، لأن الذي يعمل السوء ويعلم أنه سوء قد ترجى استقامته. أما الذي يعمل السوء ويظنه عملا حسنا فهذا هو الضلال المبين.
والتحقيق أن المراد بالأخسرين أعمالا هنا : ما يشمل المشركين واليهود والنصارى ، وغيرهم ممن يعتقدون أن كفرهم وضلالهم صواب وحق.
وقوله ـ سبحانه ـ : (أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ).
كلام مستأنف لزيادة التعريف بهؤلاء الأخسرين أعمالا ، ولبيان سوء مصيرهم.
أى : أولئك الذين كفروا بآيات ربهم الدالة على وحدانيته وقدرته وكفروا بالبعث والحشر والحساب وما يتبع ذلك من ثواب وعقاب ، فكانت نتيجة هذا الكفر أن (فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) أى : فسدت وبطلت.
وأصل الحبوط : انتفاخ بطن الدابة بسبب امتلائها بالغذاء الفاسد الذي يؤدى إلى هلاكها.
والتعبير بالحبوط هنا في أعلى درجات البلاغة ، لأن هؤلاء الكافرين ملأوا صحائف أعمالهم بالأقوال والأفعال القبيحة التي ظنوها حسنة ، فترتب على ذلك هلاكهم وسوء مصيرهم.
وقوله : (فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً) تصريح بهوانهم والاستخفاف بهم ، واحتقار شأنهم.
أى : فلا نلتفت إليهم يوم القيامة ، ولا نعبأ بهم احتقارا لهم ، بل نزدريهم ولا نقيم لهم ولا لأعمالهم وزنا ، لأنهم لا توجد لهم أعمال صالحة توضع في ميزانهم ، كما قال تعالى ـ : (وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً).
وفي الصحيحين من حديث أبى هريرة أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «إنه ليأتى الرجل