بعضهم في بعض. أى : يتزاحمون ويضطربون من شدة الحيرة لأنهم بعد بناء السد ، صاروا لا يجدون مكانا ينفذون منه إلى ما يريدون النفاذ إليه ، فهم خلفه في اضطراب وهرج.
ويجوز أن يكون المراد بيومئذ : يوم مجيء الوعد بخروجهم وانتشارهم في الأرض ، وهذا الوعد قد صرحت به الآية السابقة في قوله ـ تعالى ـ (فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا).
فيكون المعنى : وتركنا قبائل يأجوج ومأجوج ، يوم جاء وعد الله بجعل السد مدكوكا ومتساويا مع الأرض ، يموج بعضهم في بعض ، بعد أن خرجوا منتشرين في الأرض ، وقد تزاحموا وتكاثروا واختلط بعضهم ببعض.
قال الفخر الرازي : اعلم أن الضمير في قوله «بعضهم» يعود إلى يأجوج ومأجوج. وقوله : (يومئذ) فيه وجوه :
الأول : أن يوم السد ماج بعضهم في بعض خلفه لما منعوا من الخروج.
الثاني : أنه عند الخروج يموج بعضهم في بعض. قيل : إنهم حين يخرجون من وراء السد يموجون مزدحمين في البلاد.
الثالث : أن المراد من قوله (يومئذ) يوم القيامة.
وكل ذلك محتمل ، إلا أن الأقرب أن المراد به : الوقت الذي جعل الله فيه السد دكا فعنده ماج بعضهم ونفخ في الصور ، وصار ذلك من آيات القيامة» (١).
وقال القرطبي : قوله ـ تعالى ـ : (وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ) الضمير في (تَرَكْنا) لله ـ تعالى ـ أى : تركنا الجن والإنس يوم القيامة يموج بعضهم في بعض.
وقيل : تركنا يأجوج ومأجوج «يومئذ» أى : يوم كمال السد يموج بعضهم في بعض ، واستعارة الموج لهم عبارة عن الحيرة وتردد بعضهم في بعض.
وقيل : تركنا يأجوج ومأجوج يوم انفتاح السدّ يموجون في الدنيا مختلطين لكثرتهم. فهذه أقوال ثلاثة : أظهرها أوسطها وأبعدها آخرها. وحسن الأول ، لأنه تقدم ذكر القيامة في تأويل قوله ـ تعالى ـ (فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي) (٢).
وقوله ـ سبحانه ـ (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً) بيان لعلامة من علامات قيام الساعة.
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ج ٢١ ص ١٧٢.
(٢) تفسير القرطبي ج ١١ ص ٦٥.