٢ ـ أن الرحلة في طلب العلم من صفات العقلاء. فموسى ـ عليهالسلام ـ وهو من أولى العزم من الرسل ، تجشم المشاق والمتاعب لكي يلتقى بالرجل الصالح ؛ لينتفع بعلمه ، وصمم على ذلك مهما كانت العقبات بدليل قوله ـ تعالى ـ حكاية عنه : (لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً).
قال القرطبي عند تفسيره لهذه الآية : في هذا من الفقه رحلة العالم في طلب الازدياد من العلم ، والاستعانة على ذلك بالخادم والصاحب واغتنام لقاء الفضلاء والعلماء وإن بعدت أقطارهم. وذلك كان دأب السلف الصالح ، وبسبب ذلك وصل المرتحلون لطلب العلم إلى الحظ الراجح : وحصلوا على السعى الناجح ، فرسخت لهم في العلوم أقدام. وصح لهم من الذكر والأجر والفضل أفضل الأقسام.
قال البخاري : ورحل جابر بن عبد الله مسيرة شهر إلى عبد الله بن أنيس في طلب حديث (١).
٣ ـ جواز إخبار الإنسان عما هو من مقتضى الطبيعة البشرية ، كالجوع والعطش والتعب والنسيان فقد قال موسى لفتاه : (آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً) ورد عليه فتاه بقوله : (أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ ..).
وفي هذا الرد ـ أيضا ـ من الأدب ما فيه ، فقد نسب سبب النسيان إلى الشيطان ، وإن كان الكل بقضاء الله ـ تعالى ـ وقدره.
٤ ـ أن العلم على قسمين : علم مكتسب يدركه الإنسان باجتهاده وتحصيله .. بعد عون الله تعالى ـ له. وعلم لدنى يهبه الله ـ سبحانه ـ لمن يشاء من عباده فقد قال ـ تعالى ـ في شأن الخضر (وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً) أى : علما خاصا أطلعه الله عليه يشمل بعض الأمور الغيبية.
٥ ـ أن على المتعلم أن يخفض جناحه للمعلم ، وأن يخاطبه بأرق العبارات وألطفها ، حتى يحصل على ما عنده من علم بسرور وارتياح.
قال بعض العلماء ما ملخصه : وتأمل ما حكاه الله عن موسى في قوله للخضر : (هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً) فقد أخرج الكلام بصورة الملاطفة والمشاورة ، فكأنه يقول له : هل تأذن لي في ذلك أولا ، مع إقراره بأنه يتعلم منه ، بخلاف ما عليه أهل الجفاء أو
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١١ ص ١١.