الوصول إلى غايته ، وهو يعبر عن هذا التصميم بما حكاه عنه القرآن بقوله : «أو أمضى حقبا».
وقد أشار الآلوسى ـ رحمهالله ـ إلى سبب تصميم موسى على هذه الرحلة فقال : وكأن منشأ عزيمة موسى ـ عليهالسلام ـ على ما ذكره ما رواه الشيخان وغيرهما من حديث ابن عباس عن أبى بن كعب ، أنه سمع رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «إن موسى ـ عليهالسلام ـ قام خطيبا في بنى إسرائيل فسئل : أى الناس أعلم؟ فقال : أنا. فعاتبه الله ـ تعالى ـ عليه ، إذ لم يرد العلم إليه ـ سبحانه ـ فأوحى الله ـ تعالى ـ إليه : إن لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك.
وفي رواية أخرى عنه عن أبى ـ أيضا ـ عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن موسى ـ عليهالسلام ـ سأل ربه فقال : أى رب إن كان في عبادك أحد هو أعلم منى فدلني عليه فقال له : «نعم في عبادي من هو أعلم منك ، ثم نعت له مكانه وأذن له في لقائه» (١).
ثم تقص علينا السورة الكريمة ما حدث بعد ذلك فتقول : (فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما نَسِيا حُوتَهُما. فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً).
والفاء في قوله : (فَلَمَّا بَلَغا) وفي قوله (فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ ..) هي الفصيحة.
والسرب : النفق الذي يكون تحت الأرض. أو القناة التي يدخل منها الماء إلى البستان لسقى الزرع.
والمعنى : وبعد أن قال موسى لفتاه ما قال ، أخذا في السير إلى مجمع البحرين ، فلما بلغا هذا المكان «نسيا حوتهما» أى : نسيا خبر حوتهما ونسيا تفقد أمره ، فحيي الحوت ، وسقط في البحر ، واتخذ «سبيله» أى طريقه «في البحر سربا».
أى : واتخذ الحوت طريقه في البحر ، فكان هذا الطريق مثل السرب أى النفق في الأرض بحيث يسير الحوت فيه ، وأثره واضح.
قال الإمام ابن كثير : قوله (فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما نَسِيا حُوتَهُما) وذلك أنه كان قد أمر بحمل حوت مملوح ـ أى مشوى ـ معه وقيل له : متى فقدت الحوت ، فهو ثمة ـ أى الرجل الصالح الذي هو أعلم منك يا موسى في هذا المكان ـ فسارا حتى بلغا مجمع البحرين. وهناك عين يقال لها عين الحياة ، فناما هناك ، وأصاب الحوت من رشاش ذلك الماء
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٥ ص ٣١٣.